منتديات تونس 2050
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
أفضل 10 أعضاء في هذا الأسبوع
لا يوجد مستخدم
المواضيع الأخيرة
صحيفة الشرق الأوسط السبت مايو 22, 2021 6:39 amAdmin
صحيفة القدس العربي السبت مايو 22, 2021 6:37 amAdmin
صحيفة العرب اللندنية السبت مايو 22, 2021 6:35 amAdmin
صحيفة العربي الجديد السبت مايو 22, 2021 6:33 amAdmin
مجلة التسلية والترفيهالخميس مايو 06, 2021 11:34 amAdmin
سلسلة رمضان يجمعناالثلاثاء أبريل 27, 2021 10:19 pmAdmin
Salam | سلامالثلاثاء أبريل 27, 2021 10:10 pmAdmin
بحـث
نتائج البحث
بحث متقدم

اذهب الى الأسفل
Admin
Admin
المدير العام
المدير العام
المساهمات : 4143
نقاط : 5595
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 31/01/2021
العمر : 34
الموقع : تونس 2050
https://tn50.yoo7.com

مشكلات في طريق الحياة الإسلامية // محمد الغزالي Empty مشكلات في طريق الحياة الإسلامية // محمد الغزالي

الخميس فبراير 04, 2021 8:38 am
مشكلات في طريق الحياة الإسلامية // محمد الغزالي


تقديم بقلم: عمر عبيد حسنة


إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هـادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
وبعد: فهذا كتاب (الأمة) الأول وهو باكورة أعمالها، في مجال المساهمة في تحقيق الوعي الثقافي الإسلامي، الذي عزمت على المضي به اليوم، وتخليصه من النظرات الجزئية المتناثرة، وعجزه عن مواجهة مشكلاته، وتحدياته الداخلية منها والخارجية، على ضوء رؤية إسلامية ذات دراية وفقه، بعيدًا عن المواقف والتصرفات الانفعالية الخطابية غير المتوازنة التي لا تخرج عن كونها ومضات آنية تحرك العاطفة ولا تهدي العقل، ومن ثم تتركها لعبث الأهواء وتقاذف الأمواج. [ص : 7]
لا بد من إعادة ترتيب للعقل الإسلامي المعاصر، حتى يتمكن من تحقيق النظرة الكلية للأشياء، والقدرة على تصنيف المشكلات، ووضع سلم منضبط لقضية الأولويات، وتوفر الجهود والطاقات، وتوجهها إلى المجالات المجدية من خلال الصورة العالمية بكل تعقيداتها وتشابكها، وتطوير وسائل الدعوة إلى الله بما تقتضيه الحال، واختبار الأسلحة القديمة، لأن بعضها أصبح يتحرك في الفراغ، يصول ويجول في معارك وهمية انتهت بأصحابها وأسلحتها وقد تغيرت الحال..
لقد تبدلت مشكلات العالم، وتبدلت أسلحته، ونحن ما زلنا نصرُّ على مواجهة المشكلات الجديدة، والدخول في المعارك الجديدة بالأسلحة والوسائل القديمة، التي أقل ما يقال فيها: إنما وجدت لغير هـذه المعارك وغير هـذه المشكلات.
وما زالت تلك الوسائل تُسْلِمنا من هـزيمة إلى أخرى، على مختلف الأصعدة، ولولا بعض الحصون القديمة التي بُنِيَتْ لنا نلوذ بها ونحتمي فيها لأصبحنا أثرًا بعد عين.
لا بد من انتهاء أحلام اليقظة في حياتنا، والتي ما زالت تسيطر على قطاعات كبيرة من عالم المسلمين اليوم، والوصول إلى اليقظة غير الحالمة، بكل مقوماتها، ونستطيع أن نقول إلى حدٍّ بعيد: إن الجيل المسلم اليوم أَحْسَن الدخول في سن التمييز، لكنه إلى الآن لم يحسن الخروم منه، والانتقال إلى مرحلة الرشد التي تلي مرحلة التمييز، لقد كان عطاء سن التمييز طيبًا، حقق لنا الاعتزاز بهذا الدين، والاستعلاء به والثقة بقدرته، بعد أن كادت تغتالنا مذاهب الشياطين، لكن هـذا الإيمان يقتضي حركة منضبطة مع مبادئ الإسلام، يقتضي سلوكًا رشيدًا يأخذ [ص : 8] باعتباره كل الظروف المحيطة إلى جانب الوسائل المتاحة، وليست الاستراتيجية في حقيقتها إلا القدرة على التصرف بالإمكانيات المتاحة من خلال الظروف المحيطة، ولا تخرج الحكمة التي أُمِرْنا أن ندعو إلى الله بها - بقوله:
( ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هـي أَحْسَنُ إِنَّ رَبِّكَ هـو أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ) (النحل: 125).
... عن حسن التقدير وحسن الأداء، والقراءة الصحيحة للظروف والتعامل معها، إنها وضع الأمور بمواضعها، ووزن الأشياء بموازينها، ( يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلا أُولُو الأَلْبَابِ ) (البقرة: 269).
والرسول القدوة خاطب الناس على قدر عقولهم، وعُرِّفت البلاغة: بأنها مطابقة الكلام لمقتضى الحال.
والشيخ محمد الغزالي الذي استجاب مشكورًا للمساهمة معنا، ولتقديم كتاب ((الأمة)) الأول، غني عن التعريف، فهو يعتبر بحق أحد شيوخ الدعوة الإسلامية الحديثة وفقهائها، يحمل تاريخ نصف قرن أو يزيد من العمل الإسلامي، وهو أحد معالم الحركة الإسلامية الحديثة ورموزها، رافق نشوء الحركة الإسلامية الحديثة في مصر، كما أنه شارك في رسم سياستها، وكان على مدى هـذه الأعوام الطوال: العقل المفكر، والقلم المسطر، واللسان الناطق، حتى ليمكننا القول: بأن مؤلفاته التي تشكل [ص : 9] بمجموعها جانبًا هـامًّا من مكتبة الدعوة الإسلامية الحديثة، يمكن اعتبارها سجلا لتاريخ الدعوة الفكري إلى حد بعيد، وبذلك نستطيع أن نترسم الملامح الرئيسية للدعوة الإسلامية الحديث وتطورها من خلال هـذه المؤلفات. ذلك أن فهمه للقضية الإسلامية لم يكن فهم مؤلفات وأوراق بعيدة عن دخان المعركة، ومُثار نَقْعِها، وجلبة سلاحها، وإنما جاءت كتاباته من أرض المعركة وبأحد أسلحتها...
لم تكن كتاباته شبيهة بعمل المراسل الحربي الذي يختار الأرض الباردة للأحداث، يصفها وقد يخطئ وصفها، وإنما كان فيها الجندي المقاتل، والقائد الرائد، والناصح الأمين...
إن معظم الذين كتبوا، ويكتبون عن الإسلام تَعوزُهم المعاناة الدائمة، والحس الصادق، والعقل الراجح، والاطلاع الواسع، وحسن الفقه لمعركة الإسلام وخصومه، معظم هـؤلاء الذين كتبوا عن أدواء العالم الإسلامي، جاءت كتاباتهم أشبه بملامح رئيسية، ووصف لأعراض المرض، كان ينقصهم إلى حد بعيد خبرة المرض بدقة، ومن ثم وصف العلاج له...
كانت كتابة الشيخ الغزالي تحمل عاطفة الأم على وليدها المريض الذي تخشى أن يفترسه المرض، وبصرة الطبيب الذي يقدم العلاج، وقد يكون العلاج جراحة عضوية إن احتاج الأمر إلى ذلك...
وكانت كتبه وكتاباته تواجه التحديثات الداخلية والخارجية على حدٍّ سواء، مصداقًا لقول الرسول صلى الله عليه وسلم فيما يرويه البيهقي :
( يحمل هـذا العلم من كل خلف عدوله، ينفون عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين ) [ص : 10] وكأني بكلام الرسول صلى الله عليه وسلم يجمل في هـذا الحديث ـوقد أوتي جوامع الكلم - التحديث التي لا تخرج بمجموعها عن هـذه الثلاثة: تحريف الغلاة، وانتحال أهل الباطل، وتأويل واجتهاد الجاهل. ولا بد من المواجهة في هـذه الجبهات الثلاث. أما الإلقاء بالتبعة على واحدة منها دون سواها وإعفاء النفس من جرأة المواجهة في الجبهات الأخرى فهي النظرة الجزئية التي يعاني منها مسلم اليوم.
وحين نَعْرِض لمؤلفات الشيخ الغزالي التي رافقت خطوات الدعوة الإسلامية الأولى في العصر الحديث، والتي جاءت تسدد طريقها، وتبصرها بأعدائها، وتحذرها من المزالق التي ترسم لها، في الوقت الذي كانت تصطرع فيه الأفكار والمبادئ لإيجاد البدائل الثقافية للإسلام، وتكريس فصل الدولة عن الدين، نجد الشيخ الغزالي في الخندق الأول حيث أدرك الثغرات التي يمكن أن يتسلل منها أعداء الإسلام، من خلال واقع اجتماعي ليس له من الإسلام سوى الاسم، لذا نرى أنه من أوائل من كتب عن ((الإسلام والأوضاع الاقتصادية))، ((والإسلام والمناهج الاشتراكية)) وكان كتابه ((المفترى عليه بين الرأسماليين والشيوعيين)) أول صيحة في التميز الإسلامي، كما أنه من أوائل من تنبه إلى الخطورة والأمراض التي يخلفها الاستبداد السياسي، ولئن كانت كتاباته الأولى يمكن تصنيفها في مجال الأدب الدفاعي، إن صح التعبير، إلا أنه لم يقتصر على هـذا اللون من المواجهة الذي اقتضته الظروف من خلال الوسائل المتاحة، بل تجاوز ذلك إلى تأصيل الكثير من القضايا الثقافية في الفكر الإسلامي..
كتب في العقيدة وهي رأس الأمر كله وكتابه ((عقيدة المسلم)) من الكتب [ص : 11] المبكرة جدًّا في هـذا المجال، وكتب في السلوك الإسلامي ذلك أن الخلق هـو الغاية من البعثة المحمدية أصلا، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: ( إنما بُعِثْتُ لأُتمِّم مكارِمَ الأخلاق )
كما أنه تنبه لقضية خطيرة كانت وما زالت تهدد مجتمعات المسلمين ألا وهي قضية التعصب والتسامح التي وضح حدودها، وبين ضوابطها، حتى لا تعبث بها الأهواء، ويأكل بها الأعداء، والتي ما زالت تطل برأسها كلما سنحت لها الفرصة لتبدأ عملية التآكل الداخلي.
وبهذه المناسبة فمن الوفاء الفكري أن نعرض لكتاب الشيخ الغزالي ((من هـنا نعلم)) الذي رد فيه على الشيخ خالد محمد خالد في كتابه ((من هـنا نبدأ)) والذي بدأ فيه رحلة التضليل الثقافي ونسب للإسلام ما ليس منه، ولئن أدركت الشيخ خالد في الأيام الأخيرة توبة الفكر من هـذه القضية الخطيرة في كتابه ((الدولة في الإسلام)) وجاءت هـذه التوبة بعد مضي جيل كامل كاد يقع فريسة الضلال والتضليل، فلا بد أن نذكر هـنا الشيخ الغزالي وهو يرد انتحال المبطلين ذلك أن التوبة الآن لا تفيد إلا صاحبها وأمره إلى الله.. بعد أن أصبح التصور الإسلامي في هـذه القضية من المسلمات، وبعد أن أصبح الكتاب تاريخيًّا، وهيهات أن يسترد التاريخ... من هـنا تأتي قيمة كتاب الغزالي ((من هـنا نعلم)) الذي بنى الجدار النفسي للشباب المسلم، وحال دون اقتحامه ومغالطته.
ولسنا الآن بسبيل الكلام عن مؤلفات الشيخ الغزالي التي قد تربو على خمسة وثلاثين كتابًا، والتي تمثل إلى حد كبير حيزًا في مجال العقيدة والدعوة والسيرة والحركة والفكر والثقافة من كتبة المسلم في العصر الحديث، لا يمكن الاستغناء عنها في التأريخ لفكر الدعوة الإسلامية المعاصرة وتطوره وطبيعة المواجهة. [ص : 12]
لقد قدم الكثير من الكتابات في مجال المناصحة للدعوة الإسلامية نفسها، تمثل وجهة نظره في مشكلات الدعوة والأمراض التي أصيبت بها.
وفي اعتقادنا أن وجهة النظر هـذه وغيرها تعتبر علامة صحة في مسيرة الدعاة، فهي تغني الحركة وتطور رؤيتها، وتنقذها من آفة الحزبية التي يمكن أن تدركها لسبب أو لآخر، ولئن كانت بعض الملاحظات شديدة، وكان بعضها الآخر محل نظر إلا أنها تمثل التنوع في النظر، وليس التباين والتضاد، تمثل الاختلاف وليس الافتراق...
ولعل من أبرز الأمور التي انتهى إليها بعد هـذه الجولة الاطلاعية ذات المساحة العريضة في مختلف المجالات: أن مشكلة المسلمين الرئيسية تكمن في التمزق الثقافي الذي عرض له، وبين أسبابه في كتابه الأخير ((دستور كل شيء))، وإذا افتقدت وحدتها الفكرية فقد خسرت كل شيء، ووقعت في منطقة العجز الحضاري كما هـو حال الأمة المسلمة اليوم، ورحم الله المفكر مالك بن نبي الذي كانت صيحاته وتنبيهاته مبكرة ومتكررة للعناية بالمشكلة الثقافية التي اعتبرها أُسّ القضية.
وبعد فإن الكتاب الذي تقدمه ((الأمة)) باكورة لمساهماتها الثقافية في هـذا المجال، كما قدمنا، يعرض لمجموعة مشكلات قديمة جديدة تعيق نهضة المسلمين اليوم، ذلك أن المدافعين عن الإسلام لا ينقصهم غالبًا الحماس والإخلاص، وإنما ينقصهم عمق التجربة وحسن الفقه، إنهم يظنون أن بإمكانهم إزالة علل المسلمين في أيام معدودات، وما على الشباب إلا أن يقدم ويقاتل، ويحطم ما أمامه من عوائق، وسوف يتم له النصر.!! [ص : 13]
وإن الاستعجال حمل متاعب كبيرة، وخسائر ثقيلة للدعوة الإسلامية، بل ربما زاد خصومها قوة وتمكينًا، لذلك لا بد من بصيرة فاحصة متعمقة، تتدبر ثقافتنا، وتنقِّي منابعها، وتنقد مستوانا الحضاري الأخير، وتستكشف أسباب هـبوطه، وتوقف التراجع الحضاري الذي بدأ من أوائل القرن الثالث عشر للهجرة.
إن هـناك أكثر من سبعين صناعة مدنية وعسكرية تتعلق بالنفط واستخراجه لا نعرف منها شيئًا، فهل يخدم هـذا عقيدة التوحيد؟!
ونحن لا ندعي هـنا أن ما جاء في الكتاب يمثل الحق المطلق، وإنما هـي وجهات نظر جديرة بالدراسة والانتفاع، وإغناء الرؤية الإسلامية المعاصرة.
وهذه المناسبة تذكرنا بقولة الإمام مالك رحمه الله:
كل إنسان يؤخذ من كلامه ويرد إلا صاحب هـذا القبر ، يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم المعصوم، فهو المسدد بالوحي، المؤيد به.
نرجو الله أن يأخذ بنواصينا إلى الخير، وأن يرزقنا السداد في الرأي، والإخلاص في العمل، وأن يجزل مثوبته للشيخ محمد الغزالي على جهده وجهاده، والله يقول الحق وهو يهدي السبيل. [ص : 14]
Admin
Admin
المدير العام
المدير العام
المساهمات : 4143
نقاط : 5595
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 31/01/2021
العمر : 34
الموقع : تونس 2050
https://tn50.yoo7.com

مشكلات في طريق الحياة الإسلامية // محمد الغزالي Empty رد: مشكلات في طريق الحياة الإسلامية // محمد الغزالي

الخميس فبراير 04, 2021 8:41 am
مقدمة


أتابع النشاط الإسلامي المعاصر بحب وخوف.. حبّي له لأنني مسلم أريد للحق الذي أعتنقه أن يسود، وأن يقوم من عثرته التي طالت! وخوفي عليه لأن الأعداء خبثاء أقوياء أغنياء يريدون الإجهاز على الدين الجريح، وانتهاز الفرصة التي لاحت بعد طول انتظار أو طول تدبير...!
إن المدافعين لا ينقصهم غالبًا الحماس والإخلاص وإنما ينقصهم عمق التجربة وحسن الفقه...
إنهم يحسبون أن حال المسلمين اليوم وَليدُ عللٍ عارضة، ومن السهل إزالتها في أيام معدودات، أو على الأكثر في بضع سنين من حياتهم هـم... ثم يعود المسلمون إلى مجدهم الأول أيَّام الصحابة والتابعين.
وما على الشباب إلاَّ أن يقدم ويقاتل ويحطم ما أمامه من عوائق، وسوف يبتسم له النصر بعد مرحلة أو مرحلتين!!.
وهذا الاستعجال كان وراء متاعب وخسائر ثقيلة للدعوة الإسلامية، بل ربما زاد خصومها تمكينًا وضراوة...! [ص : 17]
إن حالة المسلمين اليوم تخالف حالة الألمان الذين خاضوا حربًا عالمية ثانية بعد هـزيمتهم في الحرب العالمية الأولى ، ولمَّا تمر على هـذه الهزيمة عشرون سنة!
إننا نحن المسلمين نتقهقر من عدة قرون، وكأننا في معركة انسحاب أوائل القرن الثالث عشر للهجرة، وقد قاوم الأجداد والآباء والأعقاب وورثنا نحن هـذه المقاومة الباسلة النبيلة، وكسبنا مواقع وخسرنا أخرى...
وأرى أنه لا بدَّ من دراسة شاملة لأسباب تقهقرنا المدني والعسكري وما هـي العناصر الحيوية التي فقدناها حتى دهانا ما دهانا؟ لا بد من بصيرة فاحصة متعمقة تتدبَّر ثقافتنا وتُنقِّي منابعها! وتنقد مستوانا الحضاري الأخير وتستكشف أسباب هـبوطه!
أكنَّا حقًّا على الفطرة التي فطر الله الناس عليها، أم غلب علينا داء الأمم الأولى فشردنا عن الصراط المستقيم؟
وعندما نريد العودة فما أرشدُ الوسائل؟
إن إقامة دين الله شيء ومجرد الاستيلاء على الحكم بطريقة أو بأخرى شيء آخر...
إن إقامة دين الله تعني قبل كل شيء تأسيس علاقة زاكية بين المرء وربه، منزَّهة عن طلب الدنيا والتَّشبع من لذائذها، والاستعلاء في أرجائها.
( تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأَرْضِ وَلا فَسَادًا ) (القصص: 83).
كما تعني الإسهام في بناء مجتمع عالمي يعرف المعروف، وينكر المنكر، ويحترم الحقوق، ويوقِّر ربِّ العالمين...!
وفي تاريخنا الثقافي والسياسي زاد كافٍ لمن كان له قلب، غير أن هـزائم شتى تصيب المجاهدين في سبيل الله لضعف التجربة وقلة الخبرة، أو لفقر [ص : 18] شديد في العلم الصحيح بكتاب الله وسنة رسوله...
وفي هـذا الكتيب نماذج لقضايا خاضها أو سيخوضها العاملون في الحقل الإسلامي أحببت أن أشرحها على ضوء ما بلوتُ من تاريخنا الحاضر والغابر، لعلها تعصم من مزالق، وتنبِّه إلى حقائق وتقود إلى الخير...
وقد تتشابه الموضوعات في بعض ما أكتب! ومع ذلك ففي الجديد مزيد من سعة العرض ووفرة الحجج!
وإني لأشكر أسرة مجلة ((الأمة)) إذْ رغبتْ إليَّ بهذا العمل، وأدعو الله تبارك وتعالى أن ينفع به، وأن يجعله في موازين الحسنات.
( رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ ) (الممتحنة: 4).
( رَبَّنَا لا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنَا رَبَّنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ) (الممتحنة 5)
الدوحة صفر سنة 1402هـ
محمد الغزالي [ص : 19]
Admin
Admin
المدير العام
المدير العام
المساهمات : 4143
نقاط : 5595
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 31/01/2021
العمر : 34
الموقع : تونس 2050
https://tn50.yoo7.com

مشكلات في طريق الحياة الإسلامية // محمد الغزالي Empty رد: مشكلات في طريق الحياة الإسلامية // محمد الغزالي

الخميس فبراير 04, 2021 8:44 am
الفصل الأول صور جديدة وعديدة للأعمال الصالحة


كانت الخصومات الكبيرة تُحَلُّ قديمًا بمبارزات فردية يلتقي فيها الخصمان لا يزال أحدهما يصاول الآخر حتى يصرعه، ويدع جثته في العراء، كما قال شاعر عربي:


والله لو لاقيْتَني خاليًا
لآب سيفانا مع الغالب!


وربما بدأ قادة الجيوش الحرب بهذه المبارزات، قبل أن يتزاحف الجمعان، ويتلاحم العدوَّان، وتنجلي المعركة عن فوز هـذا أو ذاك..
ثم تسقط بعد ذلك القرى والمدن في أيدي المنتصر...
المهم أن الخسائر الحربية كانت محدودة، وإن كانت النتائج السياسية والاقتصادية والدينية بعيدة المدى.. [ص : 21]
أما الآن فإن الحروب تشارك فيها ابتداء شعوب كثيفة، ويحشر لها الشباب والشيب والرجال والنساء، وتدور رحاها على سواء في البر والبحر والجو، ويتعرض لمغارمها مَنْ في المقدمة ومن في المؤخرة وترصد لها الألوف المؤلفة من الجنيهات - قبل اللقاء المباشر - وتُنسَّق لها أشتات القوى المادية والأدبية.
فالناس قبل الحرب الساخنة في حرب باردة ، وقبل الالتحام الدامي في تأهب واستعداد..
وعندما نرمق الشرق الشيوعي أو الغرب الصليبي نجد كلتا الكتلتين متحفزة متجهزة حتى لا تؤخذ بغتة، وحتى إذا دقت طبول الحرب كان كل فريق مبصرًا بحدَّة ما يفعل كي ينجو أو يغلب...!
والفرد في الشرق أو في الغرب يدري واجبه، ويحمل الأعباء الملقاة عليه برضًى، ويعلم أن ذلك قدره فقلما يزيغ عنه..
Admin
Admin
المدير العام
المدير العام
المساهمات : 4143
نقاط : 5595
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 31/01/2021
العمر : 34
الموقع : تونس 2050
https://tn50.yoo7.com

مشكلات في طريق الحياة الإسلامية // محمد الغزالي Empty رد: مشكلات في طريق الحياة الإسلامية // محمد الغزالي

الخميس فبراير 04, 2021 8:44 am
موقف المسلم في هـذا العصر




تُرى ما موقف المسلم في هـذا العصر؟ ماذا يصنع لرسالته في زحام هـذه الحياة؟
إن ألف مليون مسلم بدأوا القرن الخامس عشر من تاريخهم في ظروف عاصفة.
أعداؤهم يعالنون حينًا ويواربون أحيانًا بنيتهم تجاه الإسلام، سواء صرَّحوا أو لمَّحوا فإن أعمالهم تصرخ بما يبيتون!
إنهم يريدون القضاء عليه، وقد رسموا الخطط وبدأوا التنفيذ.
والليالي الحبالى تتمخض عن أحداث كئيبة، فأطرافنا تنتقص يومًا بعد يوم، بل صميمنا مهدد بالضياع، والاستعمار الثقافي ملحٌّ في محو شرائعنا [ص : 22] وشراعنا، يعينه كُتَّاب مرتدون، أو ساسة مبغضون لكتاب
الله وسنة رسوله..
ونعيد سؤالنا مرة أخرى:
ما موقف المسلم في هـذا العصر الذي تطورت فيه الحروب فانتظم جهازها كل شيء، وتوقح فيه الأعداء حتى قرروا نفض أيديهم منَّا والبناء على أنقاضنا..؟
إنه لا بد أولا من إعطاء صورة سريعة لعلاقة المسلم بدينه، أو لمطالب هـذا الدين من تابعيه...
المسلم إنسان يعرف ربه معرفة صحيحة، ويقيم صلته به - سبحانه - على مبدأ السمع والطاعة..
وهو يتعاون مع إخوان العقيدة على تأسيس مجتمع يلتزم بإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر..
وهو - مع هـؤلاء الإخوة - ينشئون الحكومة التي تحمي هـذا المجتمع، وتطوِّع شئون الحياة كلها؛ لإثبات صبغته وإعلاء شرعته.
ذاك في الداخل، أمَّا في الخارج: فالدولة الإسلامية صاحبة فكرة ترتبط بها، وتتيح لكل ذي لب أن يتعرف عليها، وتصادق أو تخاصم على ضوء من مواقف الآخرين بإزائها.
فمن ترك الفكرة تَعرِض نفسَها لم يَرَ منَّا إلا الخير، ولا إكراه في الدين، ومن أقام في وجهها العراقيل جفوناه ولا كرامة...
وتطويع الحياة لخدمة الدين عمل شعبي وحكومي في آن واحد، وهو يحتم توجيه النشاط الفردي والجماعي لخدمة الرسائل العامة وتحقيق غاياتها..
والمسلم منذ صلاة الفجر يتحرك في الموضع الذي اختاره القدر له ليعلي كلمة ربه، وإذا كان كفاح العقائد في هـذه الأيام قد فرض تجنيدًا إجباريًّا على كل شيء، فإن مناصرة الإسلام لن تشذ عن هـذه القاعدة. [ص : 23]
ومن ثم فإن كل مسلك يجعل المجتمع الإسلامي أضعف من نظيره الشيوعي أو اليهودي أو الصليبي يُعدُّ خيانة أو ارتدادًا... وكل تفريط مدني أو عسكري في خدمة الإسلام فهو عصيان لخوف العقبى.
إن الكدح لله هـنا يتجاوز المسجد ليتناول الحقل، والمصنع، والمرصد، والدكان، والديوان، والبر، والبحر، وما يكتب وما يسمع، وقد يتناول خطرات النفوس وأحلام النيام...
الإسلام رسالة توجب على معتنقيها أن يجعلوا مجتمعهم أجدر بالحياة، وأقدر على النجاح.
وكل ما يعين على ذلك فهو دين، أو كما يقول علماء الأصول: ما لا يتم الواجب إلاَّ به فهو واجب.
Admin
Admin
المدير العام
المدير العام
المساهمات : 4143
نقاط : 5595
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 31/01/2021
العمر : 34
الموقع : تونس 2050
https://tn50.yoo7.com

مشكلات في طريق الحياة الإسلامية // محمد الغزالي Empty رد: مشكلات في طريق الحياة الإسلامية // محمد الغزالي

الخميس فبراير 04, 2021 8:45 am
حقيقة العبادة..




وعندما ننظر إلى العبادات السماوية نجد أداءها في اليوم والليلة لا يستغرق نصف ساعة، ونجد تعاليمها تستغرق صفحة أو صفحتين، ويبقى الزمان بعد ذلك واسعًا، والمجال رحبًا لفهم الحياة واكتشاف طاقاتها وتسخيرها كلاًّ وجزءًا لخدمة الدين.
وكل جهد يبذل في ذلك يُسَمَّى شرعًا: عملا صالحًا، وجهادًا مبرورًا، وضميمة إلى الإيمان تؤهل المرء لرضوان الله..
( فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ ) (الأنبياء: 94).
ومن المستحيل إقامة مجتمع ناجح الرسالة إذا كان أصحابه جهالا بالدنيا عجزة في الحياة، والصالحات المطلوبة تصنعها فأس الفلاح، وإبرة [ص : 24] الخياط، وقلم الكاتب، ومشرط الطبيب، وقارورة الصيدلي، ويصنعها الغواص في بحره، والطيار في جوه، والباحث في معمله، والمحاسب في دفتره، يصنعها المسلم صاحب الرسالة وهو يباشر كل شيء، ويجعل منه أداة لنصرة ربه وإعلاء كلمته!!
وإنه لفشل دفعنا ثمنه باهظًا عندما خبنا في ميادين الحياة، وحَسِبنا أن مثوبة الله في كلمات تقال ومظاهر تُقام..
تخيل رجلا وصل إلى الحكم وقال لأتباعه:
أمامكم أجهزة الدولة أديروها لإثبات وجودكم وتحقيق هـدفكم... فإذا هـم يتركون الأجهزة عاطلة، ويجتمعون بين الحين والحين أمام قصره للهتاف باسمه! إنه لو طردهم من ساحته ما بغى عليهم، ولو أمر الحراس بضربهم ما ظلمهم، إنهم مخربون لا مخلصون!
ومن قديم رأى نفر من العابدين أن يحصروا عبادتهم في الصلوات والأذكار، يُبدئون ويعيدون ويظنون أن الأمم تقام بالهمهمة والبطالة، فمن ينصر الله ورسله؟ إذا كان أولئك جهالا بالحديد وأفرانه ومصانعه؟ والله يقول في كتابه:
( وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ ) (الحديد: 25).
إن هـناك سبعين صناعة مدنية وعسكرية تتعلق بالنفط واستخراجه والانتفاع بمشتقاته، لا نعرف منها شيئًا، فهل تُخدم عقيدة التوحيد وما ينبني عليها بهذا العجز المهين...؟
إنه لو قيل لكل شيء في البلاد الإسلامية: عُدْ من حيث جئت، لخشيت أن يمشي الناس حفاة عراة، لا يجدون - من صنع أيديهم - ما يكتسون، [ص : 25] ولا ما ينتعلون ولا ما يركبون، ولا ما يضيء لهم البيوت.. بل لخشيت أن يجوعوا لأن بلادهم لا تستطيع الاكتفاء الذاتي من الحبوب!!
إن الله لا يقبل تدينًا يشينه هـذا الشلل المستغرب، ولا أدري كيف نزعم الإيمان والجهاد ونحن نعاني من هـذه الطفولة التي تجعل غيرنا يطعمنا ويداوينا؟ ويمدنا بالسلاح إذا شاء..
إنها طفولة تستدعي الكافل المهيمن، والحديث عن إنجاح رسالة ما - ونحن في طوقها - حديث يثير الهزء، فما للأطفال وتكاليف الأبطال؟!
ولقد راقبت الكثير من الشبان الذين يستحبون خدمة دينهم، وأفزعني أن الخطل الموروث يهيمن عليهم، إنهم لا يحسبون عرق الجبين في البحث عن البترول، أو تلوث الجبهة وراء آلة دوَّارة لا يحسبون ذلك جهادًا، إن الجهاد في وهمهم تلاوات وأوراد، وتكرار ما تيسر من ذلك ما دام في الوقت متسع...
وقد رأيت صيدليًّا مشغولا ببحث قضية ((صلاة تحية المسجد)) في أثناء خطبة الجمعة، ومهتمًا بترجيح مذهب على مذهب، فقلت له: لماذا لا تنصر الإسلام في ميدانك، وتدع هـذا الموضوع لأهله؟
إن الإسلام في ميدان الدواء مهزوم، ولو أراد أعداء الإسلام أن يسمِّموا أمته في هـذا الميدان لفعلوا، ولعجزتم عن مقاومتهم!
أفما كان الأولى بك وبإخوانك أن تضعوا شيئًا لدينكم في ميدان خلا منه، بدل الدخول في موازنة بين الشافعي ومالك ؟
وسألني طالب بأحد أقسام الكيمياء عن موضوع شائك في علم الكلام فقلت في نفسي: إن جائزة ((نوبل)) لهذا العام قُسِّمت بين نفر من علماء الكيمياء ليس فيهم عربي واحد، وحاجة المسلمين إلى الاستبحار في علوم الكيمياء ماسة، وقد أوردت في بعض كتبي كيف أباد الروس قرية أفغانية [ص : 26] عندما شنُّوا عليها حربًا كيماوية، وذهب الضحايا في صمت، وتسامع جمهور المسلمين بالنبأ وهو لا يدري شيئًا عما كان أو يكون...
قلت للطالب السائل:
إنّ ما تسأل عنه درسناه قديمًا، وحكايته كيت وكيت، وخير لك أن تنصرف عن هـذا الأمر وأن تقبل بقوة على ما تخصصت فيه، إننا فقراء إلى النَّابغين في المادة التي تتعلمها، وأغنياء عن المشتغلين بالفلسفات الكلامية..
واستتليت ضاحكًا:
كانت الكيمياء قديمًا تهتم بتحويل المعادن الخسيسة إلى ذهب، وتحدث الشعراء عن كيمياء الحظوظ التي ترفع السفلة إلى مناصب العُلا!
وسألني الطالب وهو يضحك أيضًا عن كيمياء الحظوظ هـذه؟ فذكرت له بيتي ابن الرومي:


إن للحظ كيمياء إذا ما
مسَّ كلبًا أحاله إنسانًا
يرفع الله ما يشاء متى شاء
كما شاء كائنًا ما كانا...!!




والحظوظ قد تلعب دورًا في الحياة، ولكنه ثانوي محدود، أما ارتفاع الأمم وانخفاضها فيرجع إلى قوانين صارمة وأقدار جادة، والمسلمين لم يُظلموا عندما هـُزموا في سباق الحياة! إنهم شوهوا معنى التدين فانهزموا بجدارة...
وعدت أقول للطالب:
تعمق في علوم الكيمياء فهذا أجدى على الإسلام من انكبابك على بعض قراءات دينية تخصصية ليست مطلوبة منك، وحسبك من فقه الدين ما ينطبع في فؤادك وأنت تقرأ القرآن الكريم، ثم سر وراء نبيك البطل صلى الله عليه وسلم وتعلَّمْ منه كيف غيَّر الدنيا باسم الله..
وانصرفت عن الطالب الحائر وما أدري هـل اقتنع أم لا؟! [ص : 27]
إنه مع كثير من الشباب يظنون التقوى: بذل وقت أكبر في القراءات الدينية، والأخذ بقدر يسير من شئون الدنيا وعلوم الحياة، ولعمري إن الإسلام لا يكسب خيرًا من هـذا المسلك، ولا تنتصر عقائده إذا كان أهله في بلاهة الهنود الحمر، وكان أعداؤه يملكون ((مكوك)) الفضاء!!
املك ناصية الحياة بعلم واقتدار تقدر على نصرة الحق الذي تعتنق، أمَّا قبل ذلك فهيهات ولسوف يسبقك الدهاة والشطار....!!
Admin
Admin
المدير العام
المدير العام
المساهمات : 4143
نقاط : 5595
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 31/01/2021
العمر : 34
الموقع : تونس 2050
https://tn50.yoo7.com

مشكلات في طريق الحياة الإسلامية // محمد الغزالي Empty رد: مشكلات في طريق الحياة الإسلامية // محمد الغزالي

الخميس فبراير 04, 2021 8:45 am
فرض الكفاية.. وفرض العين..




الفروض - كما يقول الفقهاء - قسمان: فرض عين .. وفرض كفاية .
يعنون بفرض العين ما يجب على الشخص نفسه ويُسأل عنه وحده، أما فرض الكفاية فهو واجب على المجتمع وجوب شيوع!
ومن هـنا فإن المسلمين يعرفونه بهذه الخاصة، أنه إذا قام به البعض سقط عن الباقين ولا يجري على ألسنة العامة إلا مثل واحد له، هـو صلاة الجنازة..!
وقصة فروض العين وفروض الكفاية لا تحكى بهذا الأسلوب العليل، وسوء عرضها في مجال التربي والإعداد جعل المسلمين يتصرفون بطيش في أمور تمس حياتهم وبقاءهم، وقد تعلي رايتهم أو تنكسها.
والواجبات الكفائية تتطلب من الدولة أمرين ينبعان جميعًا من تكليفها ابتداء باختيار من يحمل أعباء هـذه الواجبات ويستطيع أداءها:
الأول: الاطمئنان إلى أن هـذه الواجبات وجدت العدد الكافي من الاختصاصيين للنهوض بها، فإذا كانت الأمة تحتاج إلى مائة صيدلية مثلا ولم يتوفر إلا خمسون، اهتمت بالعدد الذي يضمن الصحة العامة، ولا يجوز أن تتغاضى عن هـذا النقصان.. [ص : 28]
الثاني: أن تتابع بوسائلها الكثيرة حسن الأداء، ودقة الوفاء حتى تقوم المصلحة العامة على دعائم ثابتة..
إن الأمة العاجزة عن استخراج بركات الله من أرض الله لن تؤدي رسالة، والأمة العاجزة عن تجنيد مواهب المسلمين لإعزاز المسلمين أمة تلقي بأيديها إلى التهلكة.
ترى كم مصنعًا لصنع الأسلحة يحتاج إليها تحرير المستضعفين؟ وكم فنِّيًّا يجب إعدادهم لتحقيق هـذه الغاية؟
إن فرض العين قد يتناول أركان العبادات من صلاة وزكاة، وأركان الأخلاق من صدق وحياء، وقد يتناول ترك الكبائر من ربا وخنا، وهذه أمور ترتبط عادة بالضمير الفردي والسلوك الخاص.
أمَّا فرض الكفاية فإنه قد يتصل بحراسة الأمن، والقضاء بين الناس، القيام بشتى المناصب، وإجادة الفنون والصناعات التي ينهض بها العمران، وتحيا عليها الأمة.. وغير ذلك من الشئون المهمة..
فهل فرض الكفاية ـوذاك خطره - يكفي في وصفه أن يقال في حقه: إذا قام به البعض سقط عن الباقين؟
إن المجتمع الإنسان كيان متشابك المصالح، والناس ما يستغني بعضهم عن البعض الآخر، والأجهزة الإدارية والثقافية والصحية، والاقتصادية والعسكرية في بنيان الأمة تشبه الأجهزة العصبية والهضمية والتنفسية والدورية في الجسد البشري، ومن هـنا فإن فروض العين والكفاية تتداخل في الحياة العامة تداخلا تامًّا، ويتوزع الاهتمام الديني عليها كلها فلا يدع شيئًا منها..
إن فرض الكفاية يأخذ هـذه التسمية قبل أن يختار الشخص المناسب يتحدد الجهد المطلوب! أما بعد الاختيار والتحديد فإنه يتحول إلى فرض عين، وعلى من كُلِّف به أن يستفرغ الوسع في إتمامه. [ص : 29]
ولنزد الأمر وضوحًا.. الصلاة فرض عين لأن كل إنسان يستطيع الصلاة فما يستثنى أحد من وجوبه، أمَّا القضاء والتدريس والهندسة فهي فروض كفاية لأنه ليس كل إنسان يقدر أن يكون قاضيًا، أو مدرسًا أو مهندسًا.
فإذا ترشح امرؤ بمؤهلاته العلمية للقضاء، وعينته الدولة في المنصب المعد له، فإن قيامه بأعباء منصبه هـذا أصبح فرض عين كالصلاة والصيام، وما يجوز له أن يتراخي فيه أو يفرط، وكل ذرة من استهانة أو خيانة فهي عصيان لله، واعتداء على الدين، ولا يقبل أبدًا الاعتذار بأن ذلك وقع في فرض كفاية ... إن الجهد البشري يجب أن يوزع بالقسطاط المستقيم بين الصلاة المفروضة عليه والقضاء المطلوب منه، حتى يشيع العدل في المجتمع وتبلغ الحقوق أصحابها..
وربما استغرقت دراسة القضايا عشرة أضعاف الوقت الذي تستغرقه إقامة الصلاة! ليكن فهذه عبادة وتلك عبادة، وفروض الكفاية غالبًا تأخذ من الوقت أكثر مما تأخذ فروض العين، ولعلها تستغرق أعمار الناس، ليكن، فذلك هـو الطريق لإرضاء الله، وحماية الأمة، والحفاظ على الدين، وإنشاء دنيا تصونه وتنميه...!!
وما يقال في القضاء، يقال في التدريس، والتطبيب، وفي كل مهنة تحتاج الأمة إليها ويرتبط قيامها بها... والجماعات البشرية في القارات الخمس تدرك هـذه الحقيقة، وتنشئ ألوفًا مؤلفة من الوظائف، وتعين ألوفًا مؤلفًا من الأشخاص، وتقر نفقات ضخمة في موازناتها العامة، لكي تضمن هـذه المصالح.
والمطلوب من كل مكلف أن يؤدي العمل على خير وجه، وأن يوفي بالعقد الذي التزم به مع الدولة، وهي لن تضن عليه بما يطمئنه... [ص : 30]
وأعتقد أن ذلك بعض ما يعنيه قوله تعالى: ( وَالَّذِينَ هـم لأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ ) (المؤمنون: Cool،
فإن المناصب كلها أمانات مسئولة، والقيام عليها عقد مرعى الزمام..
لكن المسلمين للأسف الشديد أكثر الأمم إضاعة لهذه الأمانات والعهود، والأعمال الرسمية في بلادهم مهددة الحرمة، والوظيفة مصدر للأخذ أكثر مما هـي وسيلة إلى العطاء...!! وجهالة المسلمين فاحشة بفروض الكفاية وطبيعتها وآثارها..
ويرجع - عند بعض المتدينين - إلى أنهم يفرقون بين صور العبادات المأثورة، وأداء الأعمال المدنية المختلفة، الأولى عندهم دين، والأخرى ليست عبادة إلا على ضرب من التجوز.
رأيت بعضهم على مكتبه جالسًا بادي السآمة، يجيئه الناس لحاجاتهم فيرجئ ما يشاء، ويهمل ما يشاء، حتى إذا اقترب وقت الظهر شرع يستعدُّ له قبل الأوان... قلت له:
إن ما تقوم عنه ليس بأهون مما تقوم له... ونشاطك في إنجاز مصالح الناس في أخصر وقت، وعلى أحسن وجه دين، وهو واجب كالصلاة والصيام!
قال: إننا نستعد للصلاة المكتوبة، وسنؤدي عملنا بعد أداء حق الله!
قلت:
جميل أن تحرص على الصلاة في وقتها، ولا عليك أن تصليها أول الوقت أو وسطه! وخير لك أن تعجل بإنجاز عمل هـذا القادم من بلده، القلق على مصلحته، خاصة وأن الصلاة تربي الإنسان على الشعور بالواجب، لا تستغرق من الزمن أكثر من بضع دقائق معدودة..
ونحن لا نهوِّن من شأن الصلاة المكتوبة وأدائها على وقتها، ويمكن وضع [ص : 31] نظام لأدائها جماعة أول الوقت، أو بعد انتهاء المحاضرة في المدرسة، والنوبة في المصنع، والجراحات والكشوف في المستشفى، ويحدد لذلك زمن معتدل لا يستغله أهل البطالة...
أما عد الأعمال شيئًا تافهًا، أو شيئًا يقبل فيه العبث والتسويف فهذا تضييع لفرض يحرم تضييعه!!
Admin
Admin
المدير العام
المدير العام
المساهمات : 4143
نقاط : 5595
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 31/01/2021
العمر : 34
الموقع : تونس 2050
https://tn50.yoo7.com

مشكلات في طريق الحياة الإسلامية // محمد الغزالي Empty رد: مشكلات في طريق الحياة الإسلامية // محمد الغزالي

الخميس فبراير 04, 2021 8:46 am
الفريضة.. والنافلة




ومن قبيل الاستهانة بالفروض الكفائية أن رجلا رغب أن يحج نافلة - أظن أن ذلك للمرة الثالثة - فقلت له:
كم تتكلف هـذه الحجة؟ قرابة ألف جنيه؟
قال:
نعم وأكثر!
قلت له:
أدلك على عمل أفضل، إن فلانًا تخرج من كلية الصيدلة، وهو فقير والمسلمون فقراء إلى صيدليات إسلامية، فضع في يد الشاب المتخرج هـذا المبلغ يبدأ به حياة تنفعه وتنفع أمته، ولك عند الله ثواب أكبر من ثواب حجتك هـذه!!
فنظر الرجل إليَّ دهشًا وصاح:
أهذا كلام يقال؟
قلت له:
إنك إذا أطعتني أقمت فريضة وسددت ثغرة، وشاركت في جهاد جليل الثمرة... بدل هـذه النافلة التي تبغي.. [ص : 32] قال: وهو لا يزال في دهشته:
أدعُ الحج! وأُعينُ على فتح صيدلية، ما هـذا؟
إن جمهورًا غفيرًا من المسلمين لا يدري أبعاد المأساة التي تعيش فيها أمته، ولا مدى التخلف الرهيب الذي يهدد يومها وغدها، ومن ثم فهو يخبط في دينه خبط عشواء..!
وفي مكان آخر من كتبي ذكرت قول الفقهاء: إن الله لا يقبل نافلة حتى تؤدى الفريضة، والفريضة المطلوب أداؤها يستوي أن تكون فريضة عينية أو كفائية..!
وقلت:
إذا كان التنفل يعجز عن إحسان واجب فلا مكان له، وضربت مثلا لذلك:
إذا كان صوم التطوع يعجز المدرس عن تصحيح ورقة إجابة بدقة فلا ينبغي له أن يصوم، وكذلك إذا كان شيء من ذلك يعجز الطبيب عن إجادة فحص المريض، أو تصوير الموضع المصاب، أو كتابة الدواء اللازم..!!
إن الله سبحانه أعفى جمهور المؤمنين من قيام الليل وطول القراءة فيه، إذا كانوا يعانون من الجهاد في سبيل الله، أو طلب الرزق من هـنا ومن هـناك.
( وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنَ فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَقْرِضُوا اللَّهِ قَرْضًا حَسَنًا وَمَا تُقَدِّمُوا لأَنْفُسِكُمْ مِنَ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهِ إِنَّ اللَّهِ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) (المزمل: 20).
ولقد كان ابن مسعود يؤثر الإفطار على الصيام - صيام التطوع - لأن الفطر أعون له على قراءة القرآن، وكان ابن مسعود رضي الله عنه يتأنق في تلاوته، وكان الناس يأخذون القرآن عنه... [ص : 33]
والواقع أن العبادات العينية أو الكفائية وسائل لتزكية الفرد ورفعة المجتمع، والمؤمن الحصيف يقبل على ما يلائمه من هـذه وتلك، دون محاولة للفرار من واجب يتعين عليه.
فالغني عبادته الأولى: البذل وإسعاف المحتاجين، ولا يصلح له الصيام وقيام الليل، إذا كان الصيام والقيام مهربًا له من الإنفاق في سبيل الله.
والقارئ الفقيه عبادته الأولى: النصح وتعليم الخاصة والعامة، ولا يصلح له الاعتكاف، والخروج بالصمت عن ((لا)) و ((نعم)) في مواطن الأمر والنهي و شيوع الفتن...!
Admin
Admin
المدير العام
المدير العام
المساهمات : 4143
نقاط : 5595
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 31/01/2021
العمر : 34
الموقع : تونس 2050
https://tn50.yoo7.com

مشكلات في طريق الحياة الإسلامية // محمد الغزالي Empty رد: مشكلات في طريق الحياة الإسلامية // محمد الغزالي

الخميس فبراير 04, 2021 8:47 am
التدين وصلته بآلاء الله في الكون




وثم أمر آخر يتصل برسالة الدين بين الأحياء، إنني أكره التدين المحجوب عن جمال الكون وعظمته، المشلول عن فهم أسراره وتسخيرها لمصلحته..
وبين الحين والحين يساورني - وأنا أتلو القرآن - شعور بأن الله يريد لفتنا إلى إبداعه في الأنفس والآفاق، يريد إشعارنا بما في كونه من دقة ورقة ولطافة واقتدار، يريد من الناس أن يطالعوا آيات عظمته في هـذا الكون الدال على ربه، الموجه إليه بالليل والنهار..
وهل يقسم الله بعناصر كون تافه؟ انظر إلى هـذه الصورة!
( فَلا أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ * وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ * وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ ) (الانشقاق: 16 - 18).
إنها صورة الأصيل المحمر الأفق يعقبه الغروب، وبزوغ القمر.. ثم صورة أخرى لمرحلة تابعة من مراحل الزمان. [ص : 34]
( وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ * وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ ) (التكوير: 17،18)، لقد تحركت الدنيا واهتز صدرها بأنفاس اليقظة الباكرة!
إن الذي خلق السموات والأرض، وجعل الظلمات والنور، يطلب منا أن نستكشف صفاته في أرجاء ملكوته، وأن ننظر إلى العالم على أنه مجلى أسمائه الحسنى، وأن نبني سلوكنا بعد ذلك على إيمان وثيق، وخضوع مطلق، وأن نسترشد بوحيه ونحن نكدح على الثرى استعدادًا لرحلة العودة، وهي رحلة لا بد منها.
( هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ ثُمَّ قَضَى أَجَلا وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ ) (الأنعام: 2).
إنه أمر مثير للعجب أن يعيش جمهور المسلمين من بضعة قرون، لا يعرفون عن الكون شيئًا يذكر، وأن تكون علومه ثانوية في ثقافتهم الخاصة والعامة، وأن يكون التعرف على أسراره وقواه شيئًا كماليًّا خفيف الوزن عند البعض، وضربًا من اللغو والعبث عند البعض الآخر!!
فما الذي استحوذ على انتباههم من فنون المعرفة؟ كلام في دين الله لو عرفه سلفهم ما فتحوا بلدًا ولا أنشأوا حضارة!!
في الوقت الذي صدَّ فيه المسلمون عن الدراسات الكونية أوغل آخرون في طريقها، وحققوا مآرب رهيبة، ثم طوَّعوها لنصرة عقائد باطلة وفلسفات وضيعة..!!
إن هـذه القطيعة الموحشة بين الدين من ناحية وبين الكون والحياة من ناحية أخرى ينكرها الإسلام كل الإنكار، ويطلب من عباد الله الصالحين مسلكًا يناقضها كل المناقضة...
قد تقول: نحن نعرف ذلك ولا جديد فيما تحكي..!
وأجيب: لا يزال الشباب الذي يريد المتاب والعمل للإسلام يدير [ص : 35] ظهره للدنيا وعلومها، ويخفف حقائبه من البحوث الكشافة للقوى الحيوية الكثيرة، ويظن الذكر والشكر في العبادات المحضة!
كنت في بعثة إلى (( نواكشوط )) عاصمة موريتانيا الإسلامية تهتم بشئون الدعوة... ورأيت هـناك جماعة من الشيوعيين الصينيين لا يعملون للسماء وإنما يعملون للأرض، استطاعوا اكتشاف منابع للمياه العذبة، ومدُّوا شبكة للأنابيب إلى الأراضي التي كانت تحتاج إلى المياه!
ورأيت هـؤلاء الشيوعيين الصينيين في اليمن الشمالي يشقون في قلب الصحراء، وبين سلاسل الجبال طرقًا ((مزفتة)) أو ((مسفلتة)) بتعبير العوام!
فقلت في نفسي: من أقصى الشرق، من بعيد بعيد، يجيء هـؤلاء ليصنعوا في بلادنا ما يصنعون! فماذا نعمل نحن؟
لقد شعرت بالغيظ عندما علمت أن قطرًا إسلاميًّا كان يصدر القمح أيام كان مستعمرة، فلما استقل، ووقع زمامه بين أيدي أهله اقشعرت الأرض، وبدأ استيراد القمح من الخارج!!
وشعرت بالاستحياء وأنا أحصي الدول الصناعية المنتجة فلا أجد، بين العشر الأولى، ولا بين العشر الثانية، ولا... دولة مسلمة واحدة!!
ومعروف أن اليابان بدأت نهضتها من قرن تقريبًا، وأن شعوبًا إسلامية بدأت نهضتها في الزمان نفسه، ووصلت اليابان إلى الذروة وبقينا نحن في السفح..
ما السبب؟ قد يكون لفساد الجو السياسي دخل كبير! ولكن فساد الجو الثقافي له - في نظري - دخل أكبر.
ما تقول في فتيان يريدون إشعال معركة من أجل قضايا جزئية تتعلق باللباس وغيره هـي أقرب إلى سنن العادة منها إلى سنن العبادة، وقد تأتي في نهاية سلم الأولويات. [ص : 36]
إن دين الله لا يقدر على حمله ولا على حمايته الفاشلون في مجالات الحضارة الإنسانية الذكية، الثرثارون في عالم الغيب، الخرس في عالم الشهادة..
وأشعر بأن فقر المسلمين إلى الاستبحار العلمي لخدمة دينهم ودنياهم يحتاج إلى شرح أكثر، فإن تبجح الجهال بما لديهم من معارف مغشوشة أو قاصرة أمر لا يطاق، وإذا لم نوضح لأمتنا الحق كله تعرضت وتعرضنا معها للهلاك.. ولأنقل إلى القارئ خلاصات وجيزة عن سير التقدم العلمي في العالم الحديث، ليعرف أي هـاوية سنتردى فيها إذا لم نغير أنفسنا...
Admin
Admin
المدير العام
المدير العام
المساهمات : 4143
نقاط : 5595
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 31/01/2021
العمر : 34
الموقع : تونس 2050
https://tn50.yoo7.com

مشكلات في طريق الحياة الإسلامية // محمد الغزالي Empty رد: مشكلات في طريق الحياة الإسلامية // محمد الغزالي

الخميس فبراير 04, 2021 8:47 am
شيء عن التقدم العلمي..




ألقى الدكتور محمد كامل محاضرة في هـذا الموضوع نقتبس منها هـذه العبارات، مع تصرف في الصياغة اللفظية، قال:
من قرن وثلث فقط بدأ التطبيق الواعي للعلم في ميادين الصناعة والزراعة والطب...
استطاع عالم انكليزي تحضير مركبات كيماوية ملوَّنة تحل محل الصبغات الطبيعية المعروفة، ونتج عن ذلك الكشف ظهور الأصباغ والأدوية والأسمدة المخصَّبة، والمبيدات الحشرية والألياف.. إلخ.
استخدمت الأساليب العلمية في جميع الصناعات، وتنافست في هـذا المجال انجلترا وفرنسا وألمانيا أولا، ثم لحقت الولايات المتحدة بهذه الدول في القرن الماضي... وأخيرًا الاتحاد السوفيتي واليابان..
بعد الحرب العالمية الثانية أصبح التقدم العلمي يسير بخطوات فساح، ومعدَّلات خيالية! وثبت أن 80% من الدخل الموجود في الدول الصناعية يرجع [ص : 37] إلى هـذا السبق، وأن 20% يرجع على تراكم رأس المال.
أدرك الناس جميعًا خطورة التقدم العلمي من الناحيتين، النظرية والتطبيقية، فشرعوا يتجهون إليه، وصفوة العلماء - في الدول الكبرى - مشغولون الآن ولبضع سنين، بالبحث في قشرة الأرض وما تحتوى عليه من يابسة وماء وهواء، وقد أقروا الآن نظرية في ((التركيبات الأرضية اللوحية!)) - ترجمة حرفية لنص إنجليزي - ولهذه النظرية ارتباط مباشر بعدة قضايا، منها: احتمالات العثور على الثروات المعدنية والنفطية ومستودعات الغاز الطبيعي، واختيار الأماكن التي تدفن فيها النفايات الناتجة عن المفاعلات الذرية، ومتابعة الحركة المعقدة للمحيطات وتياراتها، ومعرفة الأسس لتغير الجو، وحدوث الجفاف، ورسم صور لأعماق البحار واستخراج عينات من صخورها، وأخطار زيادة الكربون في الجو.. إلخ.
ثم هـناك التطبيق العلمي الواسع لكشوف الفضاء، وعمل الأقمار الصناعية، ودراسة الصور التي تقدمها لنا عما يقع في هـذه الأرض من حركات مدنية وعسكرية!! وإمكان الإفادة من هـذه الأقمار في عالم الإعلام والبث الإذاعي.
ترى ماذا نقول للناس في هـذا البث؟
ومضى المحاضر يتحدث عن آفاق التقدم العلمي المعاصر، فتطرق إلى علم الأحياء، وبين أنه خطا إلى الأمام، فبعد أن كان علمًا وصفيًّا، يعني بسلوك وتركيب الكائنات الحية كلها، ويشرح وظائف أعضائها، تحوَّل إلى علم تحليلي يهتم بتكوين الخلايا الحيَّة منذ نشأتها الأولى مستعينًا بالأجهزة الحديثة مثل: (( الميكروسكوب الألكتروني )) الذي يستطيع تكبير الأشياء آلاف المرات، وأجهزة الطرد المركزي التي أمكنت من فصل أجزاء الخلية وجزيئاتها، والأشعة السينية التي تعطي فكرة عن التركيب البلوري للمواد، [ص : 38] والرنين النووي المغناطيسي الذي يساعد على تركيب الجزئيات، بالإضافة إلى التطورات الكبيرة الناتجة عن استخدام النظائر المشعة !
لقد استطاع العلماء بهذه الأدوات - نقل الجزئيات الحاملة للصفات الوراثية من كائن حي إلى كائن آخر، وقد تدخل ((الكونجرس)) الأميركي ومنع المضي في هـذه البحوث، لأنه خشي أن تتولد من عمليات النقل جراثيم تقضي على الحياة البشرية..
قال المحاضر:
وقد اتجه العلماء ببحوثهم في مجال الهندسة الوراثية إلى البكتريا والفيروسات ، ومنها إلى الكائنات الأكثر تعقيدًا بعد توفير ضمانات معينة، طمأنت المسئولين..
وصعد البحث من الأرض إلى السماء، والصورة المرتسمة الآن في أذهان العلماء أن الكون يحتوي على ملايين المجرَّات الموزعة في الفضاء على جميع الاتجاهات بشكل متجانس، وأن هـذا الكون يتمدد، وقد يظل كذلك حتى ينفجر..
ثم تحدث المحاضر عن ((الحاسبات الألكترونية)) قائلًا: إن توسعًا هـائلا دخل في صناعتها، وأن المواد نصف الموصلة قد تطورت من 1004 قطعة من المعلومات لكل شريحة سنة 1971 إلى 64 ألف قطعة معلومات لكل شريحة سنة 1978، وأن هـذه الحاسبات ستدخل البيوت في الولايات المتحدة خلال عشرين سنة، ومن الممكن تصور استخدام الحاسب لتنفيذ مطالب معينة عن طريق التليفون، كطهي الطعام في الأفران، وغسل الملابس، وتسجيل المواعيد، والأشراف الطبي على المرضي، والحراسة والإنذار عند الخطر، والجلوس مع الأطفال... إلخ.
إنني أبحث لنفسي هـذا التلخيص كي يشعر المسلمون بأن ضيق الأفق [ص : 39] قاتلهم لا محالة، وأن العزلة عن الكون وعلومه جريمة في حق الإسلام وأهله، وأن تأييد الحق الذي شرفهم الله به لا يتم بالقصور العلمي وحسبان الدين مراسم جوفاء، وأن العبادة كما تكون مناجاة لله في صلاة خاشعة تكون مدارسة لعمله الجليل في كونه الكبير...
Admin
Admin
المدير العام
المدير العام
المساهمات : 4143
نقاط : 5595
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 31/01/2021
العمر : 34
الموقع : تونس 2050
https://tn50.yoo7.com

مشكلات في طريق الحياة الإسلامية // محمد الغزالي Empty رد: مشكلات في طريق الحياة الإسلامية // محمد الغزالي

الخميس فبراير 04, 2021 8:48 am
التفريط في خدمة العربية..




وقد رأيت أن الأستاذ الدكتور ألقى محاضرته باللغة العامية لأنه - مع إيمانه كان عاجزًا عن التحدث بالفصحى..!
وتفريط العرب في خدمة اللغة العربية فضيحة مشهورة، وهو تفريط بدأ هـيِّن النتائج في عصور خلت، ثم استفحل شره في العصر الأخير حتى بلغ الخزي بنا وبلغتنا أن طالبًا في بيروت سأل أستاذه عن المعنى العربي لمصطلح أجنبي! فقال له الأستاذ المرتدُّ: وهل العربية لغة؟؟
وسماسرة الغزو الثقافي يضاعفون جهودهم في هـذه الأيام العجاف للقضاء على اللغة قضاء تامًّا في أغلب ميادين النشاط الفني والعلمي...!
والمفروض أن تكون اللغة العربية لغة عالمية، فهي اللغة الوحيدة للوحي الإلهي الباقي على ظهر الأرض! وتعليمها وتعميمها واجب كفائي - بتعريف الأصوليين - وبالتالي فهو فرض عين على المدرسين العرب، وعلى المجامع والمعاهد التي خصصت لذلك.
وهو أبرك وأغزر مثوبة من قضاء الليل في التسبيح والتحميد! لأن العربية إذا انهزمت وانفرط عقدها ضاع القرآن نفسه، ونشأت أجيال أعجمية لا تفهمه إذا بقي من يقرؤه!! [ص : 40]
وصورة واقعنا الآن أن ألف مليون مسلم يقدسون القرآن شكلا، وأن سبعهم من العرب الذين يندر فيهم المجيدون لقواعد اللغة وآدابها، وقد وصل إلى مناصب الحكم دهماء لا يحسنون الخطابة السياسية باللغة الفصحى.
ولغتنا لا وجود لها في الكليات العملية لأن الدراسة باللغات الإنكليزية، أو الفرنسية أو الروسية، أمَّا ألفاظ الحضارة التي نحتت لها في اللغات الأخرى ألوف المفردات والتراكيب فليس لها مقابل لدينا..
وريبتي شديدة في المجامع المتخصصة، ما الذي قامت به، وهذا عملها؟ وإذا كان لها عمل ما حالت عوائق مصطنعة دون ظهوره فما أخرسها عن الجؤار بالشكوى واللغة تموت؟
وسبب الريبة أن الدكتور طه حسين ظل رئيسًا لمجمع اللغة العربية عدة سنين، وهو يصل إليه محمولا لعجزه عن المسير ـأو عن التفكيرـ ومع ذلك فقد استبقي عن عمد! لأنه لا يهتم بالدفاع عن اللغة إلا مؤمن غيور، والرجل في ذلك المجال معروف!
والسؤال الذي لا نفتأ نردده: ماذا يصنع حرَّاس اللغة العربية واللغة تموت يومًا بعد يوم؟ إن موت لغتنا يعني هـلاكنا الروحي والمادي معًا..!
الرجوع الى أعلى الصفحة
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى