منتديات تونس 2050
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
أفضل 10 أعضاء في هذا الأسبوع
لا يوجد مستخدم
المواضيع الأخيرة
صحيفة الشرق الأوسط السبت مايو 22, 2021 6:39 amAdmin
صحيفة القدس العربي السبت مايو 22, 2021 6:37 amAdmin
صحيفة العرب اللندنية السبت مايو 22, 2021 6:35 amAdmin
صحيفة العربي الجديد السبت مايو 22, 2021 6:33 amAdmin
مجلة التسلية والترفيهالخميس مايو 06, 2021 11:34 amAdmin
سلسلة رمضان يجمعناالثلاثاء أبريل 27, 2021 10:19 pmAdmin
Salam | سلامالثلاثاء أبريل 27, 2021 10:10 pmAdmin
بحـث
نتائج البحث
بحث متقدم

اذهب الى الأسفل
Admin
Admin
المدير العام
المدير العام
المساهمات : 4143
نقاط : 5608
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 31/01/2021
العمر : 34
الموقع : تونس 2050
https://tn50.yoo7.com

مشكلات في طريق الحياة الإسلامية // محمد الغزالي - صفحة 3 Empty مشكلات في طريق الحياة الإسلامية // محمد الغزالي

الخميس فبراير 04, 2021 8:38 am
تذكير بمساهمة فاتح الموضوع :

مشكلات في طريق الحياة الإسلامية // محمد الغزالي


تقديم بقلم: عمر عبيد حسنة


إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هـادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
وبعد: فهذا كتاب (الأمة) الأول وهو باكورة أعمالها، في مجال المساهمة في تحقيق الوعي الثقافي الإسلامي، الذي عزمت على المضي به اليوم، وتخليصه من النظرات الجزئية المتناثرة، وعجزه عن مواجهة مشكلاته، وتحدياته الداخلية منها والخارجية، على ضوء رؤية إسلامية ذات دراية وفقه، بعيدًا عن المواقف والتصرفات الانفعالية الخطابية غير المتوازنة التي لا تخرج عن كونها ومضات آنية تحرك العاطفة ولا تهدي العقل، ومن ثم تتركها لعبث الأهواء وتقاذف الأمواج. [ص : 7]
لا بد من إعادة ترتيب للعقل الإسلامي المعاصر، حتى يتمكن من تحقيق النظرة الكلية للأشياء، والقدرة على تصنيف المشكلات، ووضع سلم منضبط لقضية الأولويات، وتوفر الجهود والطاقات، وتوجهها إلى المجالات المجدية من خلال الصورة العالمية بكل تعقيداتها وتشابكها، وتطوير وسائل الدعوة إلى الله بما تقتضيه الحال، واختبار الأسلحة القديمة، لأن بعضها أصبح يتحرك في الفراغ، يصول ويجول في معارك وهمية انتهت بأصحابها وأسلحتها وقد تغيرت الحال..
لقد تبدلت مشكلات العالم، وتبدلت أسلحته، ونحن ما زلنا نصرُّ على مواجهة المشكلات الجديدة، والدخول في المعارك الجديدة بالأسلحة والوسائل القديمة، التي أقل ما يقال فيها: إنما وجدت لغير هـذه المعارك وغير هـذه المشكلات.
وما زالت تلك الوسائل تُسْلِمنا من هـزيمة إلى أخرى، على مختلف الأصعدة، ولولا بعض الحصون القديمة التي بُنِيَتْ لنا نلوذ بها ونحتمي فيها لأصبحنا أثرًا بعد عين.
لا بد من انتهاء أحلام اليقظة في حياتنا، والتي ما زالت تسيطر على قطاعات كبيرة من عالم المسلمين اليوم، والوصول إلى اليقظة غير الحالمة، بكل مقوماتها، ونستطيع أن نقول إلى حدٍّ بعيد: إن الجيل المسلم اليوم أَحْسَن الدخول في سن التمييز، لكنه إلى الآن لم يحسن الخروم منه، والانتقال إلى مرحلة الرشد التي تلي مرحلة التمييز، لقد كان عطاء سن التمييز طيبًا، حقق لنا الاعتزاز بهذا الدين، والاستعلاء به والثقة بقدرته، بعد أن كادت تغتالنا مذاهب الشياطين، لكن هـذا الإيمان يقتضي حركة منضبطة مع مبادئ الإسلام، يقتضي سلوكًا رشيدًا يأخذ [ص : 8] باعتباره كل الظروف المحيطة إلى جانب الوسائل المتاحة، وليست الاستراتيجية في حقيقتها إلا القدرة على التصرف بالإمكانيات المتاحة من خلال الظروف المحيطة، ولا تخرج الحكمة التي أُمِرْنا أن ندعو إلى الله بها - بقوله:
( ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هـي أَحْسَنُ إِنَّ رَبِّكَ هـو أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ) (النحل: 125).
... عن حسن التقدير وحسن الأداء، والقراءة الصحيحة للظروف والتعامل معها، إنها وضع الأمور بمواضعها، ووزن الأشياء بموازينها، ( يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلا أُولُو الأَلْبَابِ ) (البقرة: 269).
والرسول القدوة خاطب الناس على قدر عقولهم، وعُرِّفت البلاغة: بأنها مطابقة الكلام لمقتضى الحال.
والشيخ محمد الغزالي الذي استجاب مشكورًا للمساهمة معنا، ولتقديم كتاب ((الأمة)) الأول، غني عن التعريف، فهو يعتبر بحق أحد شيوخ الدعوة الإسلامية الحديثة وفقهائها، يحمل تاريخ نصف قرن أو يزيد من العمل الإسلامي، وهو أحد معالم الحركة الإسلامية الحديثة ورموزها، رافق نشوء الحركة الإسلامية الحديثة في مصر، كما أنه شارك في رسم سياستها، وكان على مدى هـذه الأعوام الطوال: العقل المفكر، والقلم المسطر، واللسان الناطق، حتى ليمكننا القول: بأن مؤلفاته التي تشكل [ص : 9] بمجموعها جانبًا هـامًّا من مكتبة الدعوة الإسلامية الحديثة، يمكن اعتبارها سجلا لتاريخ الدعوة الفكري إلى حد بعيد، وبذلك نستطيع أن نترسم الملامح الرئيسية للدعوة الإسلامية الحديث وتطورها من خلال هـذه المؤلفات. ذلك أن فهمه للقضية الإسلامية لم يكن فهم مؤلفات وأوراق بعيدة عن دخان المعركة، ومُثار نَقْعِها، وجلبة سلاحها، وإنما جاءت كتاباته من أرض المعركة وبأحد أسلحتها...
لم تكن كتاباته شبيهة بعمل المراسل الحربي الذي يختار الأرض الباردة للأحداث، يصفها وقد يخطئ وصفها، وإنما كان فيها الجندي المقاتل، والقائد الرائد، والناصح الأمين...
إن معظم الذين كتبوا، ويكتبون عن الإسلام تَعوزُهم المعاناة الدائمة، والحس الصادق، والعقل الراجح، والاطلاع الواسع، وحسن الفقه لمعركة الإسلام وخصومه، معظم هـؤلاء الذين كتبوا عن أدواء العالم الإسلامي، جاءت كتاباتهم أشبه بملامح رئيسية، ووصف لأعراض المرض، كان ينقصهم إلى حد بعيد خبرة المرض بدقة، ومن ثم وصف العلاج له...
كانت كتابة الشيخ الغزالي تحمل عاطفة الأم على وليدها المريض الذي تخشى أن يفترسه المرض، وبصرة الطبيب الذي يقدم العلاج، وقد يكون العلاج جراحة عضوية إن احتاج الأمر إلى ذلك...
وكانت كتبه وكتاباته تواجه التحديثات الداخلية والخارجية على حدٍّ سواء، مصداقًا لقول الرسول صلى الله عليه وسلم فيما يرويه البيهقي :
( يحمل هـذا العلم من كل خلف عدوله، ينفون عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين ) [ص : 10] وكأني بكلام الرسول صلى الله عليه وسلم يجمل في هـذا الحديث ـوقد أوتي جوامع الكلم - التحديث التي لا تخرج بمجموعها عن هـذه الثلاثة: تحريف الغلاة، وانتحال أهل الباطل، وتأويل واجتهاد الجاهل. ولا بد من المواجهة في هـذه الجبهات الثلاث. أما الإلقاء بالتبعة على واحدة منها دون سواها وإعفاء النفس من جرأة المواجهة في الجبهات الأخرى فهي النظرة الجزئية التي يعاني منها مسلم اليوم.
وحين نَعْرِض لمؤلفات الشيخ الغزالي التي رافقت خطوات الدعوة الإسلامية الأولى في العصر الحديث، والتي جاءت تسدد طريقها، وتبصرها بأعدائها، وتحذرها من المزالق التي ترسم لها، في الوقت الذي كانت تصطرع فيه الأفكار والمبادئ لإيجاد البدائل الثقافية للإسلام، وتكريس فصل الدولة عن الدين، نجد الشيخ الغزالي في الخندق الأول حيث أدرك الثغرات التي يمكن أن يتسلل منها أعداء الإسلام، من خلال واقع اجتماعي ليس له من الإسلام سوى الاسم، لذا نرى أنه من أوائل من كتب عن ((الإسلام والأوضاع الاقتصادية))، ((والإسلام والمناهج الاشتراكية)) وكان كتابه ((المفترى عليه بين الرأسماليين والشيوعيين)) أول صيحة في التميز الإسلامي، كما أنه من أوائل من تنبه إلى الخطورة والأمراض التي يخلفها الاستبداد السياسي، ولئن كانت كتاباته الأولى يمكن تصنيفها في مجال الأدب الدفاعي، إن صح التعبير، إلا أنه لم يقتصر على هـذا اللون من المواجهة الذي اقتضته الظروف من خلال الوسائل المتاحة، بل تجاوز ذلك إلى تأصيل الكثير من القضايا الثقافية في الفكر الإسلامي..
كتب في العقيدة وهي رأس الأمر كله وكتابه ((عقيدة المسلم)) من الكتب [ص : 11] المبكرة جدًّا في هـذا المجال، وكتب في السلوك الإسلامي ذلك أن الخلق هـو الغاية من البعثة المحمدية أصلا، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: ( إنما بُعِثْتُ لأُتمِّم مكارِمَ الأخلاق )
كما أنه تنبه لقضية خطيرة كانت وما زالت تهدد مجتمعات المسلمين ألا وهي قضية التعصب والتسامح التي وضح حدودها، وبين ضوابطها، حتى لا تعبث بها الأهواء، ويأكل بها الأعداء، والتي ما زالت تطل برأسها كلما سنحت لها الفرصة لتبدأ عملية التآكل الداخلي.
وبهذه المناسبة فمن الوفاء الفكري أن نعرض لكتاب الشيخ الغزالي ((من هـنا نعلم)) الذي رد فيه على الشيخ خالد محمد خالد في كتابه ((من هـنا نبدأ)) والذي بدأ فيه رحلة التضليل الثقافي ونسب للإسلام ما ليس منه، ولئن أدركت الشيخ خالد في الأيام الأخيرة توبة الفكر من هـذه القضية الخطيرة في كتابه ((الدولة في الإسلام)) وجاءت هـذه التوبة بعد مضي جيل كامل كاد يقع فريسة الضلال والتضليل، فلا بد أن نذكر هـنا الشيخ الغزالي وهو يرد انتحال المبطلين ذلك أن التوبة الآن لا تفيد إلا صاحبها وأمره إلى الله.. بعد أن أصبح التصور الإسلامي في هـذه القضية من المسلمات، وبعد أن أصبح الكتاب تاريخيًّا، وهيهات أن يسترد التاريخ... من هـنا تأتي قيمة كتاب الغزالي ((من هـنا نعلم)) الذي بنى الجدار النفسي للشباب المسلم، وحال دون اقتحامه ومغالطته.
ولسنا الآن بسبيل الكلام عن مؤلفات الشيخ الغزالي التي قد تربو على خمسة وثلاثين كتابًا، والتي تمثل إلى حد كبير حيزًا في مجال العقيدة والدعوة والسيرة والحركة والفكر والثقافة من كتبة المسلم في العصر الحديث، لا يمكن الاستغناء عنها في التأريخ لفكر الدعوة الإسلامية المعاصرة وتطوره وطبيعة المواجهة. [ص : 12]
لقد قدم الكثير من الكتابات في مجال المناصحة للدعوة الإسلامية نفسها، تمثل وجهة نظره في مشكلات الدعوة والأمراض التي أصيبت بها.
وفي اعتقادنا أن وجهة النظر هـذه وغيرها تعتبر علامة صحة في مسيرة الدعاة، فهي تغني الحركة وتطور رؤيتها، وتنقذها من آفة الحزبية التي يمكن أن تدركها لسبب أو لآخر، ولئن كانت بعض الملاحظات شديدة، وكان بعضها الآخر محل نظر إلا أنها تمثل التنوع في النظر، وليس التباين والتضاد، تمثل الاختلاف وليس الافتراق...
ولعل من أبرز الأمور التي انتهى إليها بعد هـذه الجولة الاطلاعية ذات المساحة العريضة في مختلف المجالات: أن مشكلة المسلمين الرئيسية تكمن في التمزق الثقافي الذي عرض له، وبين أسبابه في كتابه الأخير ((دستور كل شيء))، وإذا افتقدت وحدتها الفكرية فقد خسرت كل شيء، ووقعت في منطقة العجز الحضاري كما هـو حال الأمة المسلمة اليوم، ورحم الله المفكر مالك بن نبي الذي كانت صيحاته وتنبيهاته مبكرة ومتكررة للعناية بالمشكلة الثقافية التي اعتبرها أُسّ القضية.
وبعد فإن الكتاب الذي تقدمه ((الأمة)) باكورة لمساهماتها الثقافية في هـذا المجال، كما قدمنا، يعرض لمجموعة مشكلات قديمة جديدة تعيق نهضة المسلمين اليوم، ذلك أن المدافعين عن الإسلام لا ينقصهم غالبًا الحماس والإخلاص، وإنما ينقصهم عمق التجربة وحسن الفقه، إنهم يظنون أن بإمكانهم إزالة علل المسلمين في أيام معدودات، وما على الشباب إلا أن يقدم ويقاتل، ويحطم ما أمامه من عوائق، وسوف يتم له النصر.!! [ص : 13]
وإن الاستعجال حمل متاعب كبيرة، وخسائر ثقيلة للدعوة الإسلامية، بل ربما زاد خصومها قوة وتمكينًا، لذلك لا بد من بصيرة فاحصة متعمقة، تتدبر ثقافتنا، وتنقِّي منابعها، وتنقد مستوانا الحضاري الأخير، وتستكشف أسباب هـبوطه، وتوقف التراجع الحضاري الذي بدأ من أوائل القرن الثالث عشر للهجرة.
إن هـناك أكثر من سبعين صناعة مدنية وعسكرية تتعلق بالنفط واستخراجه لا نعرف منها شيئًا، فهل يخدم هـذا عقيدة التوحيد؟!
ونحن لا ندعي هـنا أن ما جاء في الكتاب يمثل الحق المطلق، وإنما هـي وجهات نظر جديرة بالدراسة والانتفاع، وإغناء الرؤية الإسلامية المعاصرة.
وهذه المناسبة تذكرنا بقولة الإمام مالك رحمه الله:
كل إنسان يؤخذ من كلامه ويرد إلا صاحب هـذا القبر ، يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم المعصوم، فهو المسدد بالوحي، المؤيد به.
نرجو الله أن يأخذ بنواصينا إلى الخير، وأن يرزقنا السداد في الرأي، والإخلاص في العمل، وأن يجزل مثوبته للشيخ محمد الغزالي على جهده وجهاده، والله يقول الحق وهو يهدي السبيل. [ص : 14]

Admin
Admin
المدير العام
المدير العام
المساهمات : 4143
نقاط : 5608
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 31/01/2021
العمر : 34
الموقع : تونس 2050
https://tn50.yoo7.com

مشكلات في طريق الحياة الإسلامية // محمد الغزالي - صفحة 3 Empty رد: مشكلات في طريق الحياة الإسلامية // محمد الغزالي

الخميس فبراير 04, 2021 12:49 pm
وجاء الإسلام..




ووثب التاريخ وثبة فسيحة، وظهر العرب مرة ثانية على صعيد الحياة، لقد اصطفاهم الله ليحملوا الرسالة الخاتمة بعدما ربَّاهم (( محمد )) صلى الله عليه وسلمبتعاليمها، وأضاء حناياهم بأشعتها..
وفي خلال ربع قرن تقريبًا كان نبي الإنسانية قد استطاع إعداد جيش من المعلمين والمجاهدين، من رهبان الليل وفرسان النهار، من عشاق الخلد ومصلحي الأرض، سبحان من أبدع محمدًا صلى الله عليه وسلم لينشئ هـذا الجيل من الأصحاب البررة المهرة، الذين ساحوا في البلاد واجتاحوا جذور الفساد. [ص : 67] وكانوا خير أمة أخرجت للناس!!
في هـذا الدور من الوجود العربي امتزجت خصائص جنس بحقائق رسالة، وكانت كلمة ((عروبة)) ترادف كلمة ((إسلام))، وعرف العرب أنهم جسد روحه هـذا الدين، فهم به يتحركون وهو بهم ينطلق، ليفتح السجون ويكسر القيود، ويمكّن المستضعفين أن يتنفسوا الصعداء، ويخرجوا من ضيق الدنيا إلى سعة الإسلام، ومن عبادة العباد إلى عبادة الله تبارك وتعالى..
إن المدينة المنورة - عاصمة الإسلام يومئذ - كانت أحق بلد في الأرض بقيادة العالم، لأن ما تقدمه من قيم ومناهج كان أرجح في ميزان الحق مما تقدمه رومية وأثينا ومصر وفارس والهند والصين ، إن العرب الأميين حوَّلهم الإسلام إلى أساتذة راسخين فضلاء، بينما كانت العواصم الأخرى تعج بعصابات من الكهنة الصغار، والحكام الجبابرة، والأثرياء اللصوص والجهالات المطبقة...
Admin
Admin
المدير العام
المدير العام
المساهمات : 4143
نقاط : 5608
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 31/01/2021
العمر : 34
الموقع : تونس 2050
https://tn50.yoo7.com

مشكلات في طريق الحياة الإسلامية // محمد الغزالي - صفحة 3 Empty رد: مشكلات في طريق الحياة الإسلامية // محمد الغزالي

الخميس فبراير 04, 2021 12:49 pm
معالم النقلة الجديدة




وحتى لا يكون حديثنا دعوى مجردة نذكر معالم النُّقْلة التي حوَّلت العالم إلى أوضاعه الجديدة:
(أ) قام العقل الإسلامي على الحقائق وحدها، ونَفْي الأوهام والظنون واعتمد على الفكر الذكيّ والحواس اليقظة في تقرير أنواع المعرفة، وما كانت البشرية تدرك ذلك لولا القرآن الذي عدَّ الغباء، وبلادة الحواس، وقلة الوعي هـي طريق النار... [ص : 68]
وعلى النسق البلاغي العالي في تعبير القرآن تقرأ قوله تعالى:
( وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هـم أَضَلُّ أُولَئِكَ هـم الْغَافِلُونَ ) (الأعراف: 179).
والصياغة في الآية كما تقول: إن السقوط يتخير ذويه من كل كسول لا يذاكر دروسه، ومن كل لاهٍ يهجر أساتذته...
إن الإسلام بظهوره العظيم أنشأ حركة فكرية ما كان للعالم عهد بها من قبل..
(ب) قام الخُلُق الإسلامي على نشدان الكمال في السلوك الإنساني كله، وصاحب الرسالة صلى الله عليه وسلم يقول: ( بعثت لأتمم مكارم الأخلاق ) .
ويقول:
( ما من شيء أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة من خلق حسن، إن الله يكره الفاحش البذيء، وإن صاحب الخلق الحسن يبلغ به درجة صاحب الصوم والصلاة ) .
كان تدريس الأخلاق حكرًا على بعض الفلاسفة يترفعون به في مجالسهم، أو كان شارة تخص المُعَدِّين لعمل معين، حتى جاء الإسلام فجعل الخُلُق الفاضل كالنقد المتداول، يسود كل مجلس، ويدخل كل سوق، ويصبغ كل معاملة.
ورفض الإسلام قبول العبادات المعزولة عن مكارم الأخلاق المخلوطة بمنكر القول والعمل، وكانت المراسيم العبادية قديمًا هـي مظهر الفضل والامتياز.. [ص : 69]
(جـ) والضمير الإسلامي (وهو القلب بتعبير الشرع) ضمير شديد الحساسية بالخير والشر، وما يرضى الله وما يسخطه، وهو معمور بالتقوى، ومراقبة الله، بعيد عن دوافع الرغبة العاجلة والخوف الخسيس، موصول بالله وحده، ورضيُّ بما عنده...
ولا تنس أن الضمير الاستعماري أباد سكان استراليا إلا قليلا، وأباد سكان أميركا إلا قليلا، لكي ينفرد بخيرات الأرض! إنه ضمير تجاري جشع، يتحرك بمنطق الربح والخسارة، يتقهقر عند خوف العصا، ويقدم عند أمن العقوبة..
أما الضمير الإسلامي فهو محصَّن بمعاني التقوى، محكوم بقوله تعالى:
( يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إِلا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ) .. (الشعراء: 88، 89). وقول رسوله عليه الصلاة والسلام : ( ألا إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، إلا وهي القلب ) .
(د) والجسم في نظر الإسلام يجب أن يكون وضيئًا، والوضاءة شيء فوق الطهارة والجمال، وأنواع الغسل التي أوجبها الدين تجعل المرء ناصع الجبين أغر الوجه، ليس على الجلد درن ولا عرق، ولا كدر.
ولم يعرف - قبل الإسلام - اهتمام بالجسد الإنساني، بل كانت علل الوساخة تفتك بالأوربيين.
ولم تعرف العواصم الأوربية الحمامات وأنواع التطهر إلا اقتباسًا من الإسلام، وتقليدًا لأهله.
والكلام يطول في سنن الفطرة وحقوق الجسد! وليس ذلك بداهة [ص : 70] عبادة للجسد، أو ترجيحًا له على اللب والقلب، ولكنه اهتمام بالشخصية الإنسانية كلها.
والتجمُّل بالنسبة إلى المرأة، هـو المحافظة على تكوينها السليم، وتقويمها الحسن، وهو غير التبرج الذي يعني استثارة الآخرين، ومحاولة فتنتهم..!
Admin
Admin
المدير العام
المدير العام
المساهمات : 4143
نقاط : 5608
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 31/01/2021
العمر : 34
الموقع : تونس 2050
https://tn50.yoo7.com

مشكلات في طريق الحياة الإسلامية // محمد الغزالي - صفحة 3 Empty رد: مشكلات في طريق الحياة الإسلامية // محمد الغزالي

الخميس فبراير 04, 2021 12:50 pm
الإسلام والمرأة..




(ه) والمرأة المسلمة إنسان كالرجل، وهي شقيقته أمام تعاليم الإسلام كلها، وكانت المرأة محقورة الشأن عند العرب، توأد طفلة، وتُزْدَرى كبيرة، وكان الأوربيون قديمًا يتساءلون: ألها روح مثل الرجل؟ وكان في الهند من يحكم بموتها حرقًا عندما يمرض زوجها ويموت في مرضه!! ما يجوز أن تبقى بعده!!!
وافلاطون في مدينته الفاضلة يرى شيوع المرأة بين الرجال!
حتى جاء الإسلام فغير هـذه الأوضاع والأفكار، واستخرج المرأة من البيت إلى المسجد خمس مرات كل يوم، إذا كان ذلك لا ينقص عملها لولدها وزوجها، وتقدير ذلك إليها..!
ولم يمنعها من الجهاد إذا قدرت عليه، وأوجبه عليها وعلى الرجال جميعًا عند الدفاع عن دار الإسلام..
إن شخصية المرأة ولدت مع مجيء الرسالة الإسلامية، وقد بلغ من تدليل النبي صلى الله عليه وسلم لزوجاته أن حرم على نفسه بعض المباحات إرضاء لهن، حتى نزل قوله تعالى: [ص : 71]
( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ .. ) (التحريم: 1).
وما كان للمرأة هـذا الامتداد في شخصيتها من قبل وإن كان الأمر قد سار في اتجاه آخر، غلبة للتقاليد القديمة لا انسياقًا مع تعاليم الإسلام.
Admin
Admin
المدير العام
المدير العام
المساهمات : 4143
نقاط : 5608
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 31/01/2021
العمر : 34
الموقع : تونس 2050
https://tn50.yoo7.com

مشكلات في طريق الحياة الإسلامية // محمد الغزالي - صفحة 3 Empty رد: مشكلات في طريق الحياة الإسلامية // محمد الغزالي

الخميس فبراير 04, 2021 12:52 pm
الأسرة وأهميتها..




(و) والأسرة في الإسلام من آيات الله، قرن تكوينها بتكوين العالم أجمع قال تعالى: ( وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا ) (الروم: 21).
ثم قال: ( وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ ) (الروم: 22).
وفي الفقه الإسلامي كلام طويل عن نظامها المادي، وعن رسالتها الأدبية.
وهناك كلام عن عقد الزواج، وتبادل الواجبات، وحضانة الأولاد، وأسلوب النفقة، وآداب العشرة.. وطريقة حل العقد إذا تعذر بقاؤه، وأنصبة المواريث... إلخ.
وهناك كلام عن الآثار الروحية والخلقية المربوطة بوجود الأسرة، وكيف أن الأسرة امتداد للنوع الإنساني، وللعقائد والعبادات والأخلاق التي أمر الإسلام بها وقام عليها.. [ص : 72]
وحماية للأسرة حرَّم الإسلام الاختلاط الحيوانيَّ المعروف في بيئات شتى، وحرم كل ما يخدش العرض والحياء، وقد قال لي صديق: إن كلمة ((العرض)) بمدلولها الشريف لا توجد لها ترجمة في اللغات الأخرى!
وأنى يوجد معناها في هـذه المجتمعات التي تبيح أن يرقص الرجل مع امرأة أجنبية، يحتضنها ويخطر بها في الحلبة، وقد يكون زوجها الوغد حاضرًا ينظر ولا يتحرك، وقد يكون أبوها أو أخوها أو أخوها بين الحضور!!
إن الأسرة المحاطة في ديننا بهالة من الشرف والقداسة، لا توجد في بلاد أخرى وقد توجد على الورق فقط، وإلى حين، ثم عند البلوغ يكلف الفتى، أو تكلف الفتاة بشق الطريق وحدها لتكسب وتعيش..
(ز) والمجتمع في الإسلام أسرة كبيرة تقوم على التعارف والتوادّ، والناس على صعيد الأرض سواسية، ولاؤهم لله لا لجنس ولا لتربة، أكرمهم عند الله أتقاهم..
أساس المعاملة ( ليس منّا من لم يوقر كبيرنا ويرحم صغيرنا ويعرف لعالمنا حقه )
الافتخار بالنسب مردود، والاستكثار بالعزوة مرفوض، والامتياز والسبق لمن تقدمه كفايته، لا عراقته ولا وجاهته.
ومن هـنا قاد الموالي العالم الإسلامي، وتصدروا في ميادين الفتوى والفقه، والأدب واللغة، وسبقوا العرب أصحاب الرسالة الأوائل، ثم تصدروا في ميادين السياسة والحكم، وقامت دول للمماليك وشتى الأجناس، كان لها أبعد الأثر في خدمة الإسلام. [ص : 73]
Admin
Admin
المدير العام
المدير العام
المساهمات : 4143
نقاط : 5608
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 31/01/2021
العمر : 34
الموقع : تونس 2050
https://tn50.yoo7.com

مشكلات في طريق الحياة الإسلامية // محمد الغزالي - صفحة 3 Empty رد: مشكلات في طريق الحياة الإسلامية // محمد الغزالي

الخميس فبراير 04, 2021 12:53 pm
للمال وظيفة اجتماعية:




(حـ) وللمال في الإسلام وظيفة اجتماعية واسعة، والحق الأول فيه لكاسبه الذي كدح في تحصيله وتأثيله، فله أن يرتفقه ويصون به مروءته، ويحمي به نفسه وأسرته، ولكن ذلك لا يؤخر الحق المعلوم الذي أوجب الله إخراجه للفقراء والمساكين، كما لا يهدر الحقوق الأخرى التي بينتها الشريعة..
وقد وقع صراع مرير بين الواجدين والمعدمين أنتج أنظمة متفاوتة الكفر والمروق، ولو أن الأغنياء رعوا حدود الله في طرق الكسب، وسبل الإنفاق لحقنت دماء، وصينت حقوق، ولكن من ضنَّ بالقليل الذي طلبه الله، ضاع منه الكثير من المال ومن الأجر على سواء..
وسيظهر موقف الإسلام واضحًا عندما نعرض صورة الحكم في العصر الأول..
Admin
Admin
المدير العام
المدير العام
المساهمات : 4143
نقاط : 5608
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 31/01/2021
العمر : 34
الموقع : تونس 2050
https://tn50.yoo7.com

مشكلات في طريق الحياة الإسلامية // محمد الغزالي - صفحة 3 Empty رد: مشكلات في طريق الحياة الإسلامية // محمد الغزالي

الخميس فبراير 04, 2021 12:53 pm
الحكم أمانة ومسئولية:




(ط) والحكم في الإسلام أمانة ثقيلة يوجل منها الأقوياء فكيف يرنو إليها الضعفاء؟ إنه ليس جنون العظمة عند محب للسلطة، ولا الاعتداد بالنفس سواء كان هـذا الاعتداد وليد قدرة ذاتية، أو وليد حالة مرضية..!!
إن الحكم - عند من يكلف به - مسئولية فادحة أمام الله، والحاكم أجير [ص : 74] عند جمهور المسلمين، يرعى مصالحهم الدينية والمدنية لقاء ما يأخذ من مرتبات..
ولننقل من سيرة أبي بكر ثم من سيرة عمر رضي الله عنهما ما يصور هـذه المعاني، وما يكشف إجمالا سياسة المال والحكم في الإسلام..
" قال أبو بكر لأم المؤمنين عائشة حين حضرته الوفاة: هـذا يوم يُجْلى لي عن غطائي، وأشاهد جزائي! إنْ فرحًا، فدائم، وإنْ ترحًا، فمقيم.. "
إن أضطلعت بإمامة هـؤلاء الناس حين كان النكوص إضاعة، والخذْلُ تفريطًا يعني أنه ما رغب في الخلافة، ولا أحبها، ولكنه أحسَّ أن الجبن عن قبول المنصب المعروض سيعرض الأمة لفتن شداد، ولذلك يقول بعدُ: " ... فشهيدي الله ما كان يقيلني إياه - ما كان يقبل مني تركه - ... "
ويذكر أبو بكر أنه ما أخذ من مال الأمة إلا النزر اليسير، صفحة فيها لبن من ناقة خُصِّصت له من بيت المال، فيقول:
فتبلَّغت بصَفْحتهم، وتعلَّلتْ بدِرَّة لقحتهم، وأقمت صلاتي معهم لا مختالًا أشرًا، ولا متكاثرًا بطرًا..!! لم أعْدُ - أتجاوز - سدَّ الجوعة، وَوَرْي العورة، وقواتة القوام! - قدر ما يعيش به من القوت الذي يمسك حياته - ...
ثم يستشهد الخليفة الأول بالله أنه اضطُر للأكل من بيت المال دفعًا للجوع، وأن أحشاءه كانت تمتعض لغثاثة الأكل الذي يتناوله! ولكن المضطر يستسيغ المرَّ! وعبارته هـي " حاضري الله مِنْ طِوًى ممعِضٍ تهفو منه الأحشاء، وتجبُ له الأمعاء، فاضطررت إلى ذلك اضطرار المريض إلى [ص : 75] المَعِيف الآجن " .
ثم يوصي الخليفة المحتضر ابنته أن ترد على المسلمين ما أخذه من مالهم، فيقول:
" فإذا أنا مِتُّ فردِّي إليهم صفحتهم، وعبدهم - الذي كان يخدمه - ولقحتهم - الناقة التي كانت تحلب له - ورحاهم، ودثارة ما فوقي اتقيت بها البرد، ودثارة ما تحتي اتقيت بها نزَّ الأرض، وكان حشوها قطع السعف " .
كانت ((المرتبة)) التي ينام عليها محشوَّة بقطع السعف..!! قال الشيخ الخضري :
وكأن أبا بكر يرى أنه لا حقَّ له في بيت المال - نظير عمله - فأوصى بأرضه للمسلمين مقابل ما أخذ منهم.
أما بلاؤه الطويل في تثبيت قواعد الإسلام أمام المرتدين، وإعداده الفذ لحرب الفرس والروم، فذاك جهاد عبد يبتغي وجه الله، ولا يطلب عليه أجرًا..
وظاهر أن الخليفة الأول جشّم نفسه ما لم يُكَلَّف به، فإن الصحابة عن طيب نفس فرضوا له من المال العام ما يستحقه عدلا، وما لا حرج فيه أبدًا...
روى ابن سعد في طبقاته، قال:كان أبو بكر ينفق من استغلال ملكه وعمل يده وقد ظل ستة أشهر بعد خلافته وهو على حاله تلك، لا ينفق على نفسه من بيت مال المسلمين شيئًا..
فأصبح يومًا وعلى ساعده أبراد، وهو ذاهب إلى السوق! فلقيه عمر فقال: أين تريد؟ قال: إلى السوق! [ص : 76]
قال: تصنع ماذا؟ وقد وليت أمر المسلمين؟ قال: فمن أين أطعم عيالي؟ فقال: انطلق يفرض لك أبو عبيدة (أمين بيت المال) فلما ذهب إليه قال أبو عبيدة: أفرض لك قوت رجل من المهاجرين، ليس بأفضلهم ولا أوكسهم، وكسوة الشتاء والصيف، إذا أخْلَقْتَ شيئًا رددته وأخذت غيره! ففرضا له كل يوم نصف شاة وما كساه.
قالت عائشة - فيما رواه الطبري ـ: كان منزل أبي بالسُّنح عند زوجته حبيبة ابنة خارجة ، وكان قد حجَّر عليه حجرة من سعف فما زاد على ذلك حتى تحوَّل إلى منزله بالمدينة..
مكث بعد البيعة ستة أشهر بهذه الحجرة من السعفَّ!! سبحان الله، لقد قرأت وصفًا لحوض السباحة المكيَّف الهواء الذي كان يتردد عليه الرفيق خروشوف على شاطئ البحر الأسود، فشعرت بنفحة من الترف تلطف الجو وأنا أقرأ من بعيد، فكيف لو سبحت فيه؟!
إن ممثلي الشعب يأكلون هـنيئًا ويشربون مريئًا من مال الشعب، ويقولون عن الدين: إنه أفيون الشعوب، وعن أمراء المؤمنين: إنهم آكلو الشعوب!
ترى لو أن خروشوف بات ليلة واحدة في الحجرة المُمَرَّدة من سعف النخيل، وتقلب على فراش من القش يقيه نزَّ الأرض ورطوبتها، ماذا كان يقول؟
هل يبقى على قوله: إن الدين يخدِّر الشعوب، وإن الخلفاء يأكلون الجماهير؟ أم يعلم أن آكلي الشعوب قوم آخرون!!
في هـذا المسكن المتواضع أقام الرجل الذي وضع الخطة لطرد هـرقل من الشام إلى الأبد، وطرد كسرى من عاصمته وكان يقيم في قصره الأبيض الذي [ص : 77] وصفه البحتري بقوله:


لست أدري أصنع إنس لجن
سكنوه أم صنع جن لإنس




وجاء بعد أبي بكر عمر بن الخطاب ، رجل الدولة العظيم، وعبقري الحرب والسلام، ومنصف الجماهير من رءوسها!
والذي يعنينا هـنا إبراز خلتين اثنتين من سيرته الماجدة:
شعوره الغامر بمسئولية الحكم وقلقه من حسابه عنه أمام الله..
ثم رفضه الصارم لكل ذرة من استغلال الحكم للنفس أو للآل..!!
في منقبته الأولى، نذكر قوله:
لو أن جملا هـلك ضياعًا بشط الفرات، لخشيت أن يسأل الله عنه آل الخطاب - يعني نفسه - ويشبه ذلك ما روي عنه أيضًا: لو إن بغلا عثر بالعراق لحسبت عمر مسئولا عنه: لِمَ لمْ يسوِّ له الطريق ؟؟
وعن أبي رواحة كتب عمر بن الخطاب إلى الولاة: اجعلوا الناس عندكم في الحق سواء، قريبهم كبعيدهم، وبعيدهم كقريبهم! إياكم والرشا والحكم بالهوى، وأن تأخذوا الناس عند الغضب، قوموا بالحق ولو ساعة من نهار.... وخطب يومًا فقال: " أيها الناس إني قد وُليِّت عليكم، ولولا رجاء أن أكون خيركم لكم، وأقواكم عليكم، وأشدَّكم استضلاعًا بما ينوب من مهمِّ أموركم، ما توليت ذلك منكم.. ولكفى عمر مُهمًّا مُحزنًا انتظار مواقف الحساب بأخذِ حقوقكم، كيف آخذها، ووضعها، أين أضعها؟ وبالسير فيكم، كيف أسير؟ فربي المستعان، فإن عمر أصبح لا يثق بقوة ولا حيلة إن لم يتداركه الله عز وجل برحمته وعونه وتأييده... " [ص : 78]
أما بعده هـو وأهله عن كل عمل يشم منه استغلال النفوذ فهاكم ما ذكره الأستاذ الخضري في محاضراته.. قال: لما ترك ملك الروم الغزو - وشرع في الصلح - وكاتب عمر وقاربه، سَيَّر إليه عمر الرسل مع البريد فبعثت أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب - وكانت زوجة لعمر - هـدية إلى ملكة الروم، فيها طيب ومشارب وأحناش من أحناش من أحناش النساء، ودَسَّتْه إلى البريد فوصَّله لها، وجمعت امرأة القيصر نساءها، وقالت لهنَّ: هـذه هـدية امرأة ملك العرب، وبنت نبيهم! وكاتبتها وأهدت لها، وكان فيما أهدت عقد فاخر!
فلما انتهى البريد إلى عمر أمر بإمساكه، ودعا: الصلاة جامعة!! فاجتمع الصحابة وصلى بهم عمر ركعتين، ثم قال: إنه لا خير في أمر أبرم بغير شورى، قولوا في هـدية أهدتها أم كلثوم لامرأة ملك الروم، فأهدت لها امرأة ملك الروم؟
فقال قائلون: هـُو لها بالذي أهدته إليها - أي في مقابله - وليست امرأة الملك بذمِّة فتصانع به.. وقال آخرون: قد كنا نهدي الثياب لنستثيب - أي لنتلقى جزاءها هـدية قد تكون أفضل -
قال عمر:
ولكن الرسول - الذي حمل - رسول المسلمين، والبريد بريدهم... ورأى عمر أن الهدية المرسلة إلى امرأته فاخرة ثمينة، وأن العقد على صدر امرأته يقلقه، فصادره لحساب بيت المال، وأعطى امرأته ثمن ما أنفقت في هـديتها الأولى..
قال المؤرخون: وكان عمر إذا نهى الناس عن أمر من الأمور جمع أهله فقال: إني نهيت الناس عن كذا وكذا، وإن الناس ينظرون إليكم نظر الطير إلى اللحم، وأقسم بالله لا أجد أحدًا منكم يفعله إلا أضعفت عليه العقوبة... [ص : 79] إن عمر استعف وأعف أهله عن دانق من المال العام، وكان مِثْل الخليفة الأول يكدح في خدمة الأمة ورسالتها إيمانًا واحتسابًا..
لقد قدَّم المسلمون للدنيا في المجال الفردي والاجتماعي والسياسي مبادئ ونماذج شَدَهت الناظرين، وسحرت المراقبين.
إن العرب في العصر الوسيط لم ينطلقوا من فراغ، لقد صبهم الإسلام في قوالبه، ثم قذف بهم في المشارق والمغارب، فأعادوا تشكيل العالم أجمع على نحو جديد.. وأسلست الجماهير قيادها للدين الوافد لأنها رأت فيه نجاتها وكرامتها..,
ومهما تعصبت الوثنية والصليبية والصهيونية ضد الإسلام، فإن الحقائق الكبرى التي أشرق بها هـذا الدين لن تستخفي عن العيون، ولن تذيبها الضغائن السود!
ماذا كان في فارس والروم من مناهج الحكم التي طبقت في المدينة المنورة ؟ بل ماذا كان فيهما من سياسة الأخلاق وأصول التربية؟؟
لقد كان من مصلحة الإنسانية المجردة أن تختفي هـذه الإمبراطوريات البالية، وهذه النحل المخرفة الجائرة، وأن يطلع الإسلام على الدنيا ليزكيها ويعلي مستواها..
Admin
Admin
المدير العام
المدير العام
المساهمات : 4143
نقاط : 5608
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 31/01/2021
العمر : 34
الموقع : تونس 2050
https://tn50.yoo7.com

مشكلات في طريق الحياة الإسلامية // محمد الغزالي - صفحة 3 Empty رد: مشكلات في طريق الحياة الإسلامية // محمد الغزالي

الخميس فبراير 04, 2021 12:55 pm
وفي العصر الحديث:




ثم تراخت الليالي، وانقضت أيام وأيام، وذهب عرب القرون الوسطى وطلع العصر الحديث على عرب آخرين! إنها خلوف يتفرس المرء فيه فتغمر قلبه كآبة ثقيلة.. [ص : 80]
وموقف أولئك العرب يحتاج إلى استبانة وتفصيل، وإن كانت الهزائم المادية والمعنوية تغزو كل أفق وتكسوه بالقار.
هناك حديث مسموع بالمجالس، ولغط يعم الميادين الثقافية والاجتماعية أن تنفك عن الإسلام، وأنه بعد هـذا الفصل تكون الصدارة لها لا له...!!
إنه - إن صح له بقاء - سوف يكون تابعًا يتحرك بقدر، ووفق ما يصدر له من أمر.!
وقد ولدت فكرة القومية العربية ، وشتى النزعات التي تشبهها لتضع جماهير المسلمين داخل هـذا الإطار، فالولاء للجنس لا الدين، وللوطن لا للعقيدة! والحرب الخفية والجلية لا بد أن تدور رحاها ليلا ونهارًا لتطحن كل ما يعترض هـذه الغاية الفاجرة.
وعلى القادة العرب أن يتأسَّوْا بالقائد التركي المرتد ((مصطفى كمال)) فإما بلغوا مرادهم طفرة، أو على مهل! المهم أن يصلوا يومًا إلى جعل الأمة العربية علمانية مبتورة العلاقة برسالتها وتراثها..
وقد اصطدمت حركة الارتداد تلك بمقاومة صلبة، ولكن الغزاة وعملاءهم يركبون الصعب والذلول لإدراك مأربهم، وكلما ظنوا أنهم قاربوا النصر هـبت عليهم موجة من أمواج الإيمان المكافح فلَّت حدهم وخيبت أملهم، ويستأنف المرتدون نشاطهم، ويعاودون الكرَّة، ويأبى سواد الأمة الاستسلام ويستميت في حماية ما بقي له من إيمان، ولا يزال العراك ناشبًا بين الفريقين، ولا يزال أمل المؤمنين قويًّا أن يخرجوا من هـذه الساحة الدامية والإسلام بخير!! [ص : 81]
Admin
Admin
المدير العام
المدير العام
المساهمات : 4143
نقاط : 5608
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 31/01/2021
العمر : 34
الموقع : تونس 2050
https://tn50.yoo7.com

مشكلات في طريق الحياة الإسلامية // محمد الغزالي - صفحة 3 Empty رد: مشكلات في طريق الحياة الإسلامية // محمد الغزالي

الخميس فبراير 04, 2021 12:55 pm
أمور مهمة...




وننبه إلى أمور.. أن الحكم بغير ما أنزل الله له أنصار كُثر، تمدهم من الخارج الشيوعية والصليبية والصهيونية على سواء.
وأن بث جراثيم العفن الخلقي، وإدمان الشهوات يسير جنبًا إلى جنب مع تعويق الإنتاج المحلي وتعطيل الأيدي المتوضئة..
وأن السلطات القائمة تعرف المكانة الشعبية للإسلام، ومن هـنا فهي تئوي إلى كنفها صنفًا من علماء الدين يطلق عليهم: العلماء الدواجن، لا شوكة لهم ولا غيرة، يمثلون الدين على نحو ما، وينفون عن أعدائه شبهة الارتداد، ولو كانوا يعملون بيقين لحساب الشيوعية والصهيونية والاستعمار..
أما الشيء الذي نقف بإزائه برهة، فهو الجبهة العاملة للإسلام. بإخلاص، فكثيرًا ما تكون الأخطاء هـنا قاتلة، بل كثيرًا ما تكون الثغرات هـنا هـي المنافذ التي يتسرب منها الخطر، أو يتسلل منها الخصوم لإلحاق أفدح الأذى بالإسلام وأمته..!
أحيانًا أوازن بين صورة الإسلام الحقيقي، وبين صورة الإسلام في ذهن أحد الدعاة، فأجد الفارق بين الصورتين كالفارق بين سيارة لعبة أطفال وبين سيارة تنهب الأرض نهبًا!
إن الضحالة العلمية عند مشتغل بالدعوة جريمة! وليس كل مسلم مطالبًا أن يكون عالمًا راسخًا، ولكن القيادة لها خصائص عالية...
وفي عصرنا هـذا استبحرت المعارف، وتسلحت المذاهب برجال عباقرة، [ص : 82] فإذا بقى قادة الجبهة الإسلامية عندنا على مستواهم الحالي، فالمستقبل مظلم..
ومعروف أن الدعاة الذين يمكن أن يفيدوا دينهم وأمتهم يلقون العنت، ليكن!! فهذه سنة الله في الأولين والآخرين، لا يجوز الفزع منها، ولا التعليل بها في تقصير..
Admin
Admin
المدير العام
المدير العام
المساهمات : 4143
نقاط : 5608
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 31/01/2021
العمر : 34
الموقع : تونس 2050
https://tn50.yoo7.com

مشكلات في طريق الحياة الإسلامية // محمد الغزالي - صفحة 3 Empty رد: مشكلات في طريق الحياة الإسلامية // محمد الغزالي

الخميس فبراير 04, 2021 12:56 pm
ليس من الدعاة..




وعلى أية حال فلا أستطيع أن أعد في الدعاة رجلا قليل البضاعة في التاريخ السياسي للإسلام، أو التاريخ التشريعي له، أو رجلا لا يدري إلا النزر اليسير عن خصائص الفكر الإسلامي، لأن وعيه غامض في القرآن الكريم، كل ما يعرفه بضعة أحاديث إن صح سندها، فهو لا يدري كيف يضعها مواضعها.
لا نستطيع أن ننظم في سلك الدعاة امرءًا لا يعرف عن العالم المعاصر شيئًا، ولا عن الفلسفات التي تحكمه، ولا أسرار رجحان الإسلام عليها..
لا نستطيع أن نعدَّ من الدعاة امرءًا يريد نشر الإسلام في الغرب بنقل تقاليد وعادات يظن أنها من الإسلام، وهي في حقيقتها ليست من الإسلام، وقد تكون منفرة للقوم هـناك.. كأن يسلب المرأة حقوقها التي أقرها الإسلام تحت وطأة عادات اجتماعية في بيئة معينة..
ولا يعني ذلك أبدًا إقرار المجون الفاضح والاختلاط الفاحش الشائع هـناك.. فالإسلام شيء غير العادات المستقرة هـنا أو هـنا، وله أحكامه التي يقررها العلماء لا الدهماء.. [ص : 83]
إن هـناك علماء دين لا يعرفون شيئًا عن حقوق الإنسان، لا يعرفون شيئًا عن الدساتير التي أرست العلاقات بين الدولة والشعب، لا يعرفون شيئًا عن الطور الذي بلغته العلاقات بين الدول... والأنكى أنهم لا يعرفون وضع مجموعة الدول الإسلامية بين غيرها من المجموعات ولا يحسون ما يبيت لدينهم بليل، ولا ما يرسم لتحديد مستقبلهم الثقافي والاجتماعي.
ويتبع هـذا القصور العقلي أن القضايا التي تستولي على الاهتمام، وتقع عليها المفاصلة تكون من النوع الهامشي أو الخيالي أو التاريخي البالي..
Admin
Admin
المدير العام
المدير العام
المساهمات : 4143
نقاط : 5608
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 31/01/2021
العمر : 34
الموقع : تونس 2050
https://tn50.yoo7.com

مشكلات في طريق الحياة الإسلامية // محمد الغزالي - صفحة 3 Empty رد: مشكلات في طريق الحياة الإسلامية // محمد الغزالي

الخميس فبراير 04, 2021 12:56 pm
عرب العصر الحديث..




ولنعد إلى عرب العصر الحديث الذين يريدون الاعتزاز بغير الإسلام والذين يتعمدون إهمال شرائعه، وإسقاط شعائره.. المعروف أنه إذا عز الإسلام عز العرب، وإذا ساد سادت لغته وآدابه، بيد أن المستغرب في مسلك القوم أنهم يتعصبون للعروبة، ويتنكرون للسيد الأوحد الأمجد الذي اصطفاه الله منها، وتوَّج به المستقدمين والمستأخرين، وبعثه بختام الأديان وأنفس الرسالات، هـل يحقد على محمد صلى الله عليه وسلم عربي، وهو شرف العرب وفخرها؟!
ثم كيف يكون عربيًّا من يهمل لغة العرب، ويؤثر عليها اللغات الأخرى؟
الحق يقال: إن النزعة القومية هـنا ستار مفضوح لحركات تخريبية يراد بها ضرب الإسلام وحده ونسف قواعده في بلاده، ويمكن القول بأن هـذه الحركة المشئومة هـي حملة صليبية ناجحة في العصر الحديث!! [ص : 84]
لقد تعصب العرب قديمًا لأنفسهم، فماذا أقادوا من هـذه العصبية الجنسية؟ خسروا أنفسهم ورسالتهم، ونتج عن هـذه العصبية العمياء أن العرب اختفوا من معارك الإسلام الحاسمة عسكرية كانت أو سياسية أو ثقافية، فهل هـذا ما يقصدون؟..
وإذا كنا مطالبين الآن بالتعصب للعروبة، وبعث نهضة على أساسها، فهل سنأخذ القدوة من عاد وثمود ؟ أم من امرئ القيس وطرفة بن العبد ؟ وهل سيكون جحدنا للإسلام ونبيه صلى الله عليه وسلم
كلاًّ أم جزءًا؟ ومن سيكون مستشارنا في الاختيار، أيكون روسيًّا أم أميركيًّا؟؟
أرجو أن تنتهي هـذه المأساة أو هـذه المهزلة! وأرى أن تتكون لجنة من جميع الأجناس التي اعتنقت الإسلام، من عرب وأتراك وهنود وفرس وأندونيسيين وزنوج وغيرهم، لتذويب الفوارق العنصرية في كيان إسلامي مشترك، وسحق كل الثغرات الجاهلية، وجعل اللغة العربية التالية لكل لغة وطنية، وجعلها اللغة الرسمية العامة في كل ملتقى إسلامي، كما أنها لسان الوحي ولغة التعبُّد لله رب العالمين.
ويمكن تجديد ما وهي من أواصر قديمة، كما يمكن التعاون في مؤتمرات وأسواق مشتركة لمواجهة مستقبل تكتنفه الضغائن والمتاعب...
وليعلم العرب أنهم قبل غيرهم مأكولون يوم يتركون الإسلام ويخونون الله ورسوله. [ص : 85]
الرجوع الى أعلى الصفحة
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى