منتديات تونس 2050
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
أفضل 10 أعضاء في هذا الأسبوع
لا يوجد مستخدم
المواضيع الأخيرة
صحيفة الشرق الأوسط السبت مايو 22, 2021 6:39 amAdmin
صحيفة القدس العربي السبت مايو 22, 2021 6:37 amAdmin
صحيفة العرب اللندنية السبت مايو 22, 2021 6:35 amAdmin
صحيفة العربي الجديد السبت مايو 22, 2021 6:33 amAdmin
مجلة التسلية والترفيهالخميس مايو 06, 2021 11:34 amAdmin
سلسلة رمضان يجمعناالثلاثاء أبريل 27, 2021 10:19 pmAdmin
Salam | سلامالثلاثاء أبريل 27, 2021 10:10 pmAdmin
بحـث
نتائج البحث
بحث متقدم

اذهب الى الأسفل
Admin
Admin
المدير العام
المدير العام
المساهمات : 4143
نقاط : 5608
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 31/01/2021
العمر : 34
الموقع : تونس 2050
https://tn50.yoo7.com

مشكلات في طريق الحياة الإسلامية // محمد الغزالي - صفحة 5 Empty مشكلات في طريق الحياة الإسلامية // محمد الغزالي

الخميس فبراير 04, 2021 8:38 am
تذكير بمساهمة فاتح الموضوع :

مشكلات في طريق الحياة الإسلامية // محمد الغزالي


تقديم بقلم: عمر عبيد حسنة


إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هـادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
وبعد: فهذا كتاب (الأمة) الأول وهو باكورة أعمالها، في مجال المساهمة في تحقيق الوعي الثقافي الإسلامي، الذي عزمت على المضي به اليوم، وتخليصه من النظرات الجزئية المتناثرة، وعجزه عن مواجهة مشكلاته، وتحدياته الداخلية منها والخارجية، على ضوء رؤية إسلامية ذات دراية وفقه، بعيدًا عن المواقف والتصرفات الانفعالية الخطابية غير المتوازنة التي لا تخرج عن كونها ومضات آنية تحرك العاطفة ولا تهدي العقل، ومن ثم تتركها لعبث الأهواء وتقاذف الأمواج. [ص : 7]
لا بد من إعادة ترتيب للعقل الإسلامي المعاصر، حتى يتمكن من تحقيق النظرة الكلية للأشياء، والقدرة على تصنيف المشكلات، ووضع سلم منضبط لقضية الأولويات، وتوفر الجهود والطاقات، وتوجهها إلى المجالات المجدية من خلال الصورة العالمية بكل تعقيداتها وتشابكها، وتطوير وسائل الدعوة إلى الله بما تقتضيه الحال، واختبار الأسلحة القديمة، لأن بعضها أصبح يتحرك في الفراغ، يصول ويجول في معارك وهمية انتهت بأصحابها وأسلحتها وقد تغيرت الحال..
لقد تبدلت مشكلات العالم، وتبدلت أسلحته، ونحن ما زلنا نصرُّ على مواجهة المشكلات الجديدة، والدخول في المعارك الجديدة بالأسلحة والوسائل القديمة، التي أقل ما يقال فيها: إنما وجدت لغير هـذه المعارك وغير هـذه المشكلات.
وما زالت تلك الوسائل تُسْلِمنا من هـزيمة إلى أخرى، على مختلف الأصعدة، ولولا بعض الحصون القديمة التي بُنِيَتْ لنا نلوذ بها ونحتمي فيها لأصبحنا أثرًا بعد عين.
لا بد من انتهاء أحلام اليقظة في حياتنا، والتي ما زالت تسيطر على قطاعات كبيرة من عالم المسلمين اليوم، والوصول إلى اليقظة غير الحالمة، بكل مقوماتها، ونستطيع أن نقول إلى حدٍّ بعيد: إن الجيل المسلم اليوم أَحْسَن الدخول في سن التمييز، لكنه إلى الآن لم يحسن الخروم منه، والانتقال إلى مرحلة الرشد التي تلي مرحلة التمييز، لقد كان عطاء سن التمييز طيبًا، حقق لنا الاعتزاز بهذا الدين، والاستعلاء به والثقة بقدرته، بعد أن كادت تغتالنا مذاهب الشياطين، لكن هـذا الإيمان يقتضي حركة منضبطة مع مبادئ الإسلام، يقتضي سلوكًا رشيدًا يأخذ [ص : 8] باعتباره كل الظروف المحيطة إلى جانب الوسائل المتاحة، وليست الاستراتيجية في حقيقتها إلا القدرة على التصرف بالإمكانيات المتاحة من خلال الظروف المحيطة، ولا تخرج الحكمة التي أُمِرْنا أن ندعو إلى الله بها - بقوله:
( ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هـي أَحْسَنُ إِنَّ رَبِّكَ هـو أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ) (النحل: 125).
... عن حسن التقدير وحسن الأداء، والقراءة الصحيحة للظروف والتعامل معها، إنها وضع الأمور بمواضعها، ووزن الأشياء بموازينها، ( يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلا أُولُو الأَلْبَابِ ) (البقرة: 269).
والرسول القدوة خاطب الناس على قدر عقولهم، وعُرِّفت البلاغة: بأنها مطابقة الكلام لمقتضى الحال.
والشيخ محمد الغزالي الذي استجاب مشكورًا للمساهمة معنا، ولتقديم كتاب ((الأمة)) الأول، غني عن التعريف، فهو يعتبر بحق أحد شيوخ الدعوة الإسلامية الحديثة وفقهائها، يحمل تاريخ نصف قرن أو يزيد من العمل الإسلامي، وهو أحد معالم الحركة الإسلامية الحديثة ورموزها، رافق نشوء الحركة الإسلامية الحديثة في مصر، كما أنه شارك في رسم سياستها، وكان على مدى هـذه الأعوام الطوال: العقل المفكر، والقلم المسطر، واللسان الناطق، حتى ليمكننا القول: بأن مؤلفاته التي تشكل [ص : 9] بمجموعها جانبًا هـامًّا من مكتبة الدعوة الإسلامية الحديثة، يمكن اعتبارها سجلا لتاريخ الدعوة الفكري إلى حد بعيد، وبذلك نستطيع أن نترسم الملامح الرئيسية للدعوة الإسلامية الحديث وتطورها من خلال هـذه المؤلفات. ذلك أن فهمه للقضية الإسلامية لم يكن فهم مؤلفات وأوراق بعيدة عن دخان المعركة، ومُثار نَقْعِها، وجلبة سلاحها، وإنما جاءت كتاباته من أرض المعركة وبأحد أسلحتها...
لم تكن كتاباته شبيهة بعمل المراسل الحربي الذي يختار الأرض الباردة للأحداث، يصفها وقد يخطئ وصفها، وإنما كان فيها الجندي المقاتل، والقائد الرائد، والناصح الأمين...
إن معظم الذين كتبوا، ويكتبون عن الإسلام تَعوزُهم المعاناة الدائمة، والحس الصادق، والعقل الراجح، والاطلاع الواسع، وحسن الفقه لمعركة الإسلام وخصومه، معظم هـؤلاء الذين كتبوا عن أدواء العالم الإسلامي، جاءت كتاباتهم أشبه بملامح رئيسية، ووصف لأعراض المرض، كان ينقصهم إلى حد بعيد خبرة المرض بدقة، ومن ثم وصف العلاج له...
كانت كتابة الشيخ الغزالي تحمل عاطفة الأم على وليدها المريض الذي تخشى أن يفترسه المرض، وبصرة الطبيب الذي يقدم العلاج، وقد يكون العلاج جراحة عضوية إن احتاج الأمر إلى ذلك...
وكانت كتبه وكتاباته تواجه التحديثات الداخلية والخارجية على حدٍّ سواء، مصداقًا لقول الرسول صلى الله عليه وسلم فيما يرويه البيهقي :
( يحمل هـذا العلم من كل خلف عدوله، ينفون عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين ) [ص : 10] وكأني بكلام الرسول صلى الله عليه وسلم يجمل في هـذا الحديث ـوقد أوتي جوامع الكلم - التحديث التي لا تخرج بمجموعها عن هـذه الثلاثة: تحريف الغلاة، وانتحال أهل الباطل، وتأويل واجتهاد الجاهل. ولا بد من المواجهة في هـذه الجبهات الثلاث. أما الإلقاء بالتبعة على واحدة منها دون سواها وإعفاء النفس من جرأة المواجهة في الجبهات الأخرى فهي النظرة الجزئية التي يعاني منها مسلم اليوم.
وحين نَعْرِض لمؤلفات الشيخ الغزالي التي رافقت خطوات الدعوة الإسلامية الأولى في العصر الحديث، والتي جاءت تسدد طريقها، وتبصرها بأعدائها، وتحذرها من المزالق التي ترسم لها، في الوقت الذي كانت تصطرع فيه الأفكار والمبادئ لإيجاد البدائل الثقافية للإسلام، وتكريس فصل الدولة عن الدين، نجد الشيخ الغزالي في الخندق الأول حيث أدرك الثغرات التي يمكن أن يتسلل منها أعداء الإسلام، من خلال واقع اجتماعي ليس له من الإسلام سوى الاسم، لذا نرى أنه من أوائل من كتب عن ((الإسلام والأوضاع الاقتصادية))، ((والإسلام والمناهج الاشتراكية)) وكان كتابه ((المفترى عليه بين الرأسماليين والشيوعيين)) أول صيحة في التميز الإسلامي، كما أنه من أوائل من تنبه إلى الخطورة والأمراض التي يخلفها الاستبداد السياسي، ولئن كانت كتاباته الأولى يمكن تصنيفها في مجال الأدب الدفاعي، إن صح التعبير، إلا أنه لم يقتصر على هـذا اللون من المواجهة الذي اقتضته الظروف من خلال الوسائل المتاحة، بل تجاوز ذلك إلى تأصيل الكثير من القضايا الثقافية في الفكر الإسلامي..
كتب في العقيدة وهي رأس الأمر كله وكتابه ((عقيدة المسلم)) من الكتب [ص : 11] المبكرة جدًّا في هـذا المجال، وكتب في السلوك الإسلامي ذلك أن الخلق هـو الغاية من البعثة المحمدية أصلا، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: ( إنما بُعِثْتُ لأُتمِّم مكارِمَ الأخلاق )
كما أنه تنبه لقضية خطيرة كانت وما زالت تهدد مجتمعات المسلمين ألا وهي قضية التعصب والتسامح التي وضح حدودها، وبين ضوابطها، حتى لا تعبث بها الأهواء، ويأكل بها الأعداء، والتي ما زالت تطل برأسها كلما سنحت لها الفرصة لتبدأ عملية التآكل الداخلي.
وبهذه المناسبة فمن الوفاء الفكري أن نعرض لكتاب الشيخ الغزالي ((من هـنا نعلم)) الذي رد فيه على الشيخ خالد محمد خالد في كتابه ((من هـنا نبدأ)) والذي بدأ فيه رحلة التضليل الثقافي ونسب للإسلام ما ليس منه، ولئن أدركت الشيخ خالد في الأيام الأخيرة توبة الفكر من هـذه القضية الخطيرة في كتابه ((الدولة في الإسلام)) وجاءت هـذه التوبة بعد مضي جيل كامل كاد يقع فريسة الضلال والتضليل، فلا بد أن نذكر هـنا الشيخ الغزالي وهو يرد انتحال المبطلين ذلك أن التوبة الآن لا تفيد إلا صاحبها وأمره إلى الله.. بعد أن أصبح التصور الإسلامي في هـذه القضية من المسلمات، وبعد أن أصبح الكتاب تاريخيًّا، وهيهات أن يسترد التاريخ... من هـنا تأتي قيمة كتاب الغزالي ((من هـنا نعلم)) الذي بنى الجدار النفسي للشباب المسلم، وحال دون اقتحامه ومغالطته.
ولسنا الآن بسبيل الكلام عن مؤلفات الشيخ الغزالي التي قد تربو على خمسة وثلاثين كتابًا، والتي تمثل إلى حد كبير حيزًا في مجال العقيدة والدعوة والسيرة والحركة والفكر والثقافة من كتبة المسلم في العصر الحديث، لا يمكن الاستغناء عنها في التأريخ لفكر الدعوة الإسلامية المعاصرة وتطوره وطبيعة المواجهة. [ص : 12]
لقد قدم الكثير من الكتابات في مجال المناصحة للدعوة الإسلامية نفسها، تمثل وجهة نظره في مشكلات الدعوة والأمراض التي أصيبت بها.
وفي اعتقادنا أن وجهة النظر هـذه وغيرها تعتبر علامة صحة في مسيرة الدعاة، فهي تغني الحركة وتطور رؤيتها، وتنقذها من آفة الحزبية التي يمكن أن تدركها لسبب أو لآخر، ولئن كانت بعض الملاحظات شديدة، وكان بعضها الآخر محل نظر إلا أنها تمثل التنوع في النظر، وليس التباين والتضاد، تمثل الاختلاف وليس الافتراق...
ولعل من أبرز الأمور التي انتهى إليها بعد هـذه الجولة الاطلاعية ذات المساحة العريضة في مختلف المجالات: أن مشكلة المسلمين الرئيسية تكمن في التمزق الثقافي الذي عرض له، وبين أسبابه في كتابه الأخير ((دستور كل شيء))، وإذا افتقدت وحدتها الفكرية فقد خسرت كل شيء، ووقعت في منطقة العجز الحضاري كما هـو حال الأمة المسلمة اليوم، ورحم الله المفكر مالك بن نبي الذي كانت صيحاته وتنبيهاته مبكرة ومتكررة للعناية بالمشكلة الثقافية التي اعتبرها أُسّ القضية.
وبعد فإن الكتاب الذي تقدمه ((الأمة)) باكورة لمساهماتها الثقافية في هـذا المجال، كما قدمنا، يعرض لمجموعة مشكلات قديمة جديدة تعيق نهضة المسلمين اليوم، ذلك أن المدافعين عن الإسلام لا ينقصهم غالبًا الحماس والإخلاص، وإنما ينقصهم عمق التجربة وحسن الفقه، إنهم يظنون أن بإمكانهم إزالة علل المسلمين في أيام معدودات، وما على الشباب إلا أن يقدم ويقاتل، ويحطم ما أمامه من عوائق، وسوف يتم له النصر.!! [ص : 13]
وإن الاستعجال حمل متاعب كبيرة، وخسائر ثقيلة للدعوة الإسلامية، بل ربما زاد خصومها قوة وتمكينًا، لذلك لا بد من بصيرة فاحصة متعمقة، تتدبر ثقافتنا، وتنقِّي منابعها، وتنقد مستوانا الحضاري الأخير، وتستكشف أسباب هـبوطه، وتوقف التراجع الحضاري الذي بدأ من أوائل القرن الثالث عشر للهجرة.
إن هـناك أكثر من سبعين صناعة مدنية وعسكرية تتعلق بالنفط واستخراجه لا نعرف منها شيئًا، فهل يخدم هـذا عقيدة التوحيد؟!
ونحن لا ندعي هـنا أن ما جاء في الكتاب يمثل الحق المطلق، وإنما هـي وجهات نظر جديرة بالدراسة والانتفاع، وإغناء الرؤية الإسلامية المعاصرة.
وهذه المناسبة تذكرنا بقولة الإمام مالك رحمه الله:
كل إنسان يؤخذ من كلامه ويرد إلا صاحب هـذا القبر ، يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم المعصوم، فهو المسدد بالوحي، المؤيد به.
نرجو الله أن يأخذ بنواصينا إلى الخير، وأن يرزقنا السداد في الرأي، والإخلاص في العمل، وأن يجزل مثوبته للشيخ محمد الغزالي على جهده وجهاده، والله يقول الحق وهو يهدي السبيل. [ص : 14]

Admin
Admin
المدير العام
المدير العام
المساهمات : 4143
نقاط : 5608
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 31/01/2021
العمر : 34
الموقع : تونس 2050
https://tn50.yoo7.com

مشكلات في طريق الحياة الإسلامية // محمد الغزالي - صفحة 5 Empty رد: مشكلات في طريق الحياة الإسلامية // محمد الغزالي

الخميس فبراير 04, 2021 1:04 pm
إفراط... وتفريط..




والخلاف الفقهي لا يوهي بين المؤمنين أُخوّة، ولا يحدث وقيعة! وهؤلاء يجعلون من الحبة قبة، ومن الخلاف الفرعي أزمة.
والخلاف إذا نشب يكون لأسباب علمية وجيهة، وهؤلاء تكمن وراء خلافاتهم علل تستحق الكشف!
كتب أحدهم ردًّا عليَّ جاء فيه أن الدعوة كانت تسبق القتال في صدر الإسلام، ثم نسخ ذلك وأمسى القتال يقع دون حاجة إلى دعوة تسبقه! وساق حديثًا لم يحسن فهمه! وبدت لي خلال السطور المكتوبة صورة المؤلف المتحمس، إنها صورة قاطع طريق يشنُّ الغارات على الناس باسم الدين..!!
ولم يكتف المسكين بتدوين هـرائه حتى ضم إليه سعاية إلى أولى الأمر بأني أسأت إلى الملك عبد العزيز رحمه الله (!) هـل ذلك مسلك الأتقياء الذين يخدمون التراث النبويّ؟
إن التدين يوم يفقد طيبة القلب، ودماثة الأخلاق، ومحبة الخلائق يكون لعنة على البلاد والعباد.. والغريب إن التطرُّف لا يقع في مزيد من الخدمات الاجتماعية، ولا في مزيد من مظاهر الإيثار والفضل، إنه يقع في الحرص البالغ على الأمور الخلافية كالتنطع في مكان وضع اليدين أو طريقة وضع الرجلين خلال الصلاة! [ص : 120]
والاهتمام الهائل هـنا تقابله قلة اكتراث ببناء دولة الإسلام الغاربة، والإقبال على تجميع العناصر التي لا بد منها لإقامة حضارتنا واستعادة كياننا..
والمجال المستحب للغالين في دينهم ينفسح عندما ينظرون في ذنوب الناس، إنهم يسارعون إلى الحكم بالفسق أو الكفر وكأن المرء عندهم مذنب حتى تثبت براءته، على عكس القاعدة الإسلامية..
ومنذ أيام ثار جدل حول تارك الصلاة كسلا، فلم يذكر أحد في شأنه إلا أنه كافر، مستوجب للقتل، مخلد في النار!
قلت:
إن تارك الصلاة كسلا مجرم حقًّا، ولكن الحكم الذي ذكرتموه هـو في تاركها جحدًا، وإنكار ما هـو معلوم من الدين بالضرورة خروج من الدين، أما الكسول فهو مقر بأصل التشريع!
قالوا:
يقتل حتمًا.
قلت:
لماذا تنسون حديث أصحاب السنن في أن الرجل لا عهد له عند الله - بتكاسله - إن شاء عاقبه، وإن شاء عفا عنه!
ودخول هـذه الجريمة فيما دون الشرك، أعني إمكان العفو الإلهي عنه، هـو رأي جمهور المسلمين، ومذهب الأحناف ألا يقتل الكسول..
وعلينا بالتلطف والنصح الحسن، أن نقوده إلى المسجد لا إلي المشنقة..
بيد أن المتطرفين يأبون إلا القول بالقتل، وأن هـذا وحده هـو الإسلام!! [ص : 121] ومجال آخر هـو قضايا المرأة، إن حبسها وتجهيلها، واتهامها هـو محور النظر في شئونها العبادية والعادية جميعًا، ويجب لي النصوص والآثار التي تربطها بالمسجد، وبالأمر والنهي، والتعليم، وإذا خرجت من البيت لضرورة قاهرة فلا ينبغي أن يُرى لها ظفر، هـي عورة كلها، لا ترى أحدًا ولا يراها أحد!!
ومن هـؤلاء المتطرفين ناس لهم نيّات صالحة، ورغبة حقة في مرضاة الله وعيبهم - إن خلوا من العلل والعقد - ضحالة المعرفة وقصور الفقه، ولو اتسعت مداركهم لاستفاد الإسلام من حماسهم وتفانيهم..
حدث في إحدى القرى أن أرسل العمدة إلى إمام المسجد يخبره أن المهندس الزراعي قادم، وأنه ينبغي الاجتماع بالأهالي كي يقدم لهم إرشادًا مهمًّا، ويرجو العمدة إعلام المصلين بذلك حتى يتم اللقاء.
وعندما حاول الإمام الكلام في مكبر الصوت، قال له طالب متدين: إن النبي صلى الله عليه وسلم منع نشدان الضالة في المسجد، وقال: إنما بنيت الصلاة لما بنيت لله! - يعني العبادة - ومنعه من أخذ المكبِّر! ولما اشتد النزاع قال الطالب: لن يؤخذ المكبِّر إلا على جثتي!!
إن قياس الإرشاد الزراعي على نشدان جمل تائه لأحد البدو قياس غير صحيح، ولو فرض صحيحًا، فالأمر أهون من أن تقدم في سبيله جثة!!
ونحن مع رفضنا لهذه المسالك نرى أن الصلف اليهودي لا يكسر حدَّه إلا فداء يستند إلى هـذا اليقين، وأن على المربين والقادة أن يعاملوا هـذا الشباب بحكمة، وأن يتعهدوهم بالعلماء الواعين المتجردين، فإن هـؤلاء الشبان يكرهون اتباع السلطة، ويزدرون علمهم إن كان لديهم علم... [ص : 122]
Admin
Admin
المدير العام
المدير العام
المساهمات : 4143
نقاط : 5608
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 31/01/2021
العمر : 34
الموقع : تونس 2050
https://tn50.yoo7.com

مشكلات في طريق الحياة الإسلامية // محمد الغزالي - صفحة 5 Empty رد: مشكلات في طريق الحياة الإسلامية // محمد الغزالي

الخميس فبراير 04, 2021 1:05 pm
الفصل السادس المتاجرة بالخلاف خيانة عظيمة




بذلت جهدًا كبيرًا ردم الفجوات التي تفصل بين الشباب المسلم، فإنه لأمر مفزع أن يشجر الخلاف بين المسلمين الآن وأعداؤهم يُعدُّون لهم الضربة القاضية بعد ضربات سبقت، أوهت صفوفهم وشعَّبت أهواءهم..!
إن هـناك أنواعًا من الخلاف الفقهي واللغوي لا أخشى منها أبدًا، بل أعدّها طبيعة البشر الذهنية والنفسية!
أما الخلاف المولود على مصاطب الفراغ والثرثرة، الشاغل لمجالس اللهو والبطالة فهو معصية لله وتوهين للأمة.
ولم يكن هـذا الخلاف موجودًا عندما شغلت الأمة برسالتها، وعبَّأت قواها كلها لتقليم أظافر القوى الباغية على الإسلام، فلما استراحت من هـذه الأعباء [ص : 125] - وما كان لها أن تستريح - أخذت تتحدث في دينها وتتقعَّر في فهم عالم الغيب، بعدما أراحت نفسها من الكدح في عالم الشهادة..!!
وكان أن أورثنا بلاء كثيرًا في قضايا مُخْتلقة، وزاد الطين بلة أن خصومنا شنُّوا علينا غارة استئصال ونحن ماضون في هـذا اللغو، حتى خشيت أن تُجْهَض النهضة الإسلامية المعاصرة بغباء المولعين بإثارة هـذه القضايا..!!
لما كنت في القاهرة جاءني من أخبرني بأن فتنة وقعت في حلوان بين المصلين! فقلت: لماذا؟
قال:
إن خطيب المسجد تساءل بصوت عال: أين الله؟ ودهش المصلون للسؤال الملقى عليهم! ثم تولّى الخطيب الإجابة قائلا: في السماء! وذكر حديثًا معروفًا في هـذا..
وغضب بعض المصلين لهذه الإجابة التي أوقعت الناس في اللجاج والجدال..
لقد اقشعرَّ جلدي لهذا الحوار وتملكني غضب شديد، وقصة الخطيب والمعترض هـذه تنوقلت هـنا وهناك، وإذا اللجاج يحيا من جديد بين مُنتسبين للسلف ومنتسبين للخلف!
وقلت: قرة عين لليهودي والنصارى، ومصيبة بعد أخرى للمسلمين الضياع! ولم أجد بُدًّا من الجري هـنا وهناك، أسكب الماء على الحريق، وأشغل الأمة بما يجب أن تشتغل به، وأتحدث عن الخلاف القديم الجديد بما يجمع الشمل، ويُبعد الفرقة..
Admin
Admin
المدير العام
المدير العام
المساهمات : 4143
نقاط : 5608
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 31/01/2021
العمر : 34
الموقع : تونس 2050
https://tn50.yoo7.com

مشكلات في طريق الحياة الإسلامية // محمد الغزالي - صفحة 5 Empty رد: مشكلات في طريق الحياة الإسلامية // محمد الغزالي

الخميس فبراير 04, 2021 1:05 pm
المحكم والمتشابه..




قلت: [ص : 126]
في القرآن آيات محكمة وأخرى متشابهة لكن ما نسبة المتشابه إلى المحكم ؟ إن المحكم هـو أمُّ الوحي، وصلب الكتاب، وأساس للتكاليف، ويعني هـذا أن العزائم تتجه إلى المحكم تعمل به، وتقف نشاطها عليه، أما غيره - وهو محدود النطاق - فإن الانشغال به عوج في الفكر وزيغ في القلب، حسبنا أن نمر به مر الكرام لا نستقصي ولا نتكلف، فإن طول الوقوف عنده لا يفيد أولا، ثم إنه يكون على حساب المحكم ثانيًا، سنقصِّر فيه بعدما بدَّدنا الوقت في غيره..
قال قائل:
لكن آباءنا اختلفوا بعدما فكروا، ما نستطيع إنكار ذلك، وفي البلاد من يتعصب للسلف الذين أقروا الآيات على ظاهرها، وفيهم من يتعصب للخلف الذين أولوها والتمسوا لها معاني معقولة، فماذا نصنع؟
قلت:
إن التعصب الأعمى مرفوض! وعند التدبر نجد أمرًا لا بد من إبرازه، إن السلف والخلف جميعًا يسبحون بحمد ربهم ويقدسون له، ويرجون رحمته ويخافون عذابه، إنهم جميعًا يؤمنون بوجوده، وأنه الحي القيوم، وأنه ليس كمثله شيء، وأن ما ينسبه إليه اليهود والنصارى من تجسد، أو تعدُّد، أو مظاهر بشرية خطأ محض!!
وعبارات السلف والخلف تتجه كلها إلى تلك الغاية، وقد تضطرب أساليب الأداء! وإذا لم يكن الخلاف لفظيًّا فهو قريب من الخلاف اللفظي.
إن القرآن كتاب يؤسس اليقين في القلوب، وينشر الخير في المجتمع، ويحدث الناس عن الله ليعرِّفهم بعظمته، وينشئهم على تقواه! وقد نزل القرآن باللغة العربية، وجرى على قواعدها وأساليبها في التصوير والتأثير، وعندما [ص : 127] نتدبره على الوجه الصحيح نلزم الصراط المستقيم، بيد أن للعقل الإنسان شطحات تكلفه أحيانًا أن يسأل عما لا جواب له:
إذا كنت أحفظ القرآن فأين مكان المحفوظ من رأسي أو قلبي؟ لست أدري..
إن الذاكرة مستودع عجيب فكيف يغيب في أعماقها ما ننساه، ويطفو على سطحها ما تبقى صورته، لست أدري! ثم ما قيمة الحرص على هـذا التساؤل إذا كان الجواب فوق الطاقة؟
هل تدري النملة كيف ينظم الشاعر قصيدةً ما؟ أو كيف يحل الأستاذ معادلة جبرية؟ إنها لا تدري ولن تدري!!
فلم يحاول أمرؤ منا أن يعرف كنه الألوهية؟ وهو لا يعرف نفسه التي بين جنبيه؟ بل لا يعرف جنبيه كليهما..!!
إن تحول الطعام إلى خلايا حية، ثم تحوُّل الخلايا الحية إلى أجسام ميتة تتلاشى، ثم تتجدد، أمر مذهل للعقل، ومع ذلك فهو كثير كثرة هـائلة في كل لحظة من ليل أو نهار عند من قال عن نفسه.
( كُلَّ يَوْمٍ هـو فِي شَأْنٍ ) (الرحمن: 29).
( هُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ فَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ) (غافر: 68).
Admin
Admin
المدير العام
المدير العام
المساهمات : 4143
نقاط : 5608
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 31/01/2021
العمر : 34
الموقع : تونس 2050
https://tn50.yoo7.com

مشكلات في طريق الحياة الإسلامية // محمد الغزالي - صفحة 5 Empty رد: مشكلات في طريق الحياة الإسلامية // محمد الغزالي

الخميس فبراير 04, 2021 1:06 pm
السلف.. والخلف..




وعدت بذاكرتي إلى أيام الدراسة في الجامع الأزهر، من خمسين سنة تقريبًا، كنا نحضر علم التوحيد، ونستمع إلى الأستاذ وهو يعرض نماذج من الآيات المتشابهة، لقد شحنت عقولنا بأشياء كثيرة عن قوله تعالى: [ص : 128]
( الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ) (طه: 5).
( يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ ) (الفتح: 10).
وبعد كلام طويل قال الشيخ رحمه الله: ومذهب السلف أسلم، ومذهب الخلف أحكم!
قلت له:
لماذا؟
قال:
مذهب السلف أسلم، لأنه أبعد عن الخطأ في تقرير المعنى، وأرجى للثواب لأنه يبتعد عن التأويل، ويقبل التفويض كما أمرنا، أما مذهب الخلف فهو أقدر على دحض الشبهات، ورد الوساوس، وإلزام الخصوم.
وسلمنا - نحن الطلاب - بما تعلمنا، ومضت السنون واللجاج لا ينتهي بين الفريقين!
وتدبرت الأمر بيني وبين نفسي فرأيت أن كُلاًّ من السلف والخلف لجأ إلى التأويل في بعض الآيات، فقوله تعالى:
( وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ ) (الحديد: 4).
ليست معية ذات وإنما هـي معية علم! وقوله سبحانه:
( وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ ) (ق: 16).
أو قوله: ( وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لا تُبْصِرُونَ ) (الواقعة: 85).
المقصود الملائكة لا الذات العليا، هـكذا يقول السلف..
أما تأويلات الخلف فكثيرة مثل قوله جل شأنه: ( الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ) (طه: 5). [ص : 129]
ليس الاستواء استقرارًا ومماسَّة، وإنما هـو استيلاء وقهر.. إلخ.
وقد ملت إلى رأي السلف، وظهر ذلك في كتابي ((عقيدة المسلم)) غير أني بعد مزيد من الاستقصاء والبحث رأيت أن التفويض مطلوب ما لم يشعر بتجسيم، وأن التأويل مطلوب ما لم ينته بتعطيل، وبناء على ذلك رفضت مسلك المعتزلة لأنهم - تأثرًا بالفلسفة الإغريقية - أعطوا صورة مشوهة عن الألوهية، ورفضت مسلك الغلاة من بعض الحنابلة لأنهم كادوا ينتهون إلى التجسيم..
وعدت إلى كلام الأئمة والعلماء على امتداد العصر فرأيت بعضه يصدق بعضًا أو يكاد، ورأيت الشُّقة قريبة بين المروي عن السلف والخلف، وأنه لا مكان لمعارك دامية بين هـؤلاء وأولئك.
يقول أبو حامد الغزالي - وهو من أئمة الخلف - فإن قيل: ما معنى قوله تعالى: ( الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ) (طه: 5)، وما معنى قوله عليه الصلاة والسلام : ( ينزل الله كل ليلة إلى سماء الدنيا ) قلنا: الكلام على الظواهر الواردة في هـذا الباب طويل، ولكن نذكر منهجًا في هـذين النصين يرشد إلى ما عداه، وهو أنَّا نقول: الناس في هـذا فريقان: عوام، وعلماء!
والذي نراه لائقًا بعوام الخلق ألا يخاض بهم في هـذه التأويلات، بل ننزع عن عقائدهم كل ما يوجب التشبيه، أو يدلُّ على الحدوث، ونحقق عندهم أنه - سبحانه - موجود.
( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ) (الشورى: 11).
وإذا سألوا عن معاني هـذه الآيات زجروا عنها، وقيل: ليس هـذا بعُشِّكم فادرجوا.. فلكل علم رجال، ويجابون بما أجاب به مالك بن أنس : [ص : 130] الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة.
وهذا لأن عقول العوام لا تتسع لقبول المعقولات، ولا الإحاطة باللغات، ولا تحيط بتوسيعات العرب في الاستعارات!!
وأما العلماء فاللائق بهم تعرُّف ذلك وتفهمه! ولست أقول: إن ذلك فرض عين - إذ لم يرد به تكليف - بل التكليف: تنزيهه سبحانه وتعالى عن كل تشبيه بغيره عن ((الاقتصاد في الاعتقاد..)).
وقال الإمام النووي في شرحه لصحيح مسلم، عند الكلام على حديث الجارية - الذي جعله خطيب أحد المساجد موضوعًا له وأساء كل الإساءة - قال:
هذا الحديث من أحاديث الصفات، وفيه مذهبان:
الأول:
الإيمان به من غير خوض في معناه، مع اعتقاد أن الله تعالى ليس كمثله شيء، وتنزيهه عن سمات المخلوقات.
الثاني:
تأويله بما يليق، فمن قال بهذا قال: كان المراد امتحان الجارية، هـل هـي موحِّدة تقرّ بأن الخالق المدبر الفعال هـو الله وحده؟ وهو الذي إذا دعاه الداعي استقبل السماء كما إذا صلى المصلي استقبل الكعبة، لأن السماء قبلة الداعين، كما أن الكعبة قبلة المصلين، أم هـي من عبدة الأوثان التي بين أيديهم، فلما قالت: في السماء! عُلم أنها موحدة، وليست عابدة أوثان.
وقال - نقلا عن القاضي عياض ـ: لا خلاف بين المسلمين قاطبة، فقيههم ومحدثهم ومتكلمهم ونظارهم ومقلدهم، أن الظواهر الواردة بذكر الله في السماء مثل: [ص : 131]
( أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الأَرْضَ ) (الملك: 16).
ونحوها ليست على ظاهرها، بل متأولة عند جميعهم.
إن الإغراق في التأويل - كما هـو مذهب المعتزلة - أذهب الخشية من القلوب، كما أوقع أصحابه في نقائض عقلية مستغربة، إذ كيف يقال: عليم بلا علم، وقادر بلا قدرة؟
وهذا التفكير تقليد رديء لأرسطو الذي جرّد إلهه من كل وصف، وعمل حتى أصبح إلهًا يتأمل ذاته وحسب!
وقد كان المعتزلة أجرأ على تأويل النصوص منهم على نقد الفلاسفة، وذلك مسلك معيب.
Admin
Admin
المدير العام
المدير العام
المساهمات : 4143
نقاط : 5608
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 31/01/2021
العمر : 34
الموقع : تونس 2050
https://tn50.yoo7.com

مشكلات في طريق الحياة الإسلامية // محمد الغزالي - صفحة 5 Empty رد: مشكلات في طريق الحياة الإسلامية // محمد الغزالي

الخميس فبراير 04, 2021 1:07 pm
مخاطر التجسيم..




وفي الجهة المقابلة نجد صنفًا آخر يدعي التفويض والسلفية، ويتتبع الأخبار التافهة ذات الأسانيد المظلمة، ويستقي منها العقائد (!) ويجري وراء نص هـنا ونص هـناك، فيطوي المسافة بينهما ليخرج آخر الأمر بضرب من التجسيم لا يعرفه المسلمون من سلف أو خلف.
ولا تغرنك العناوين والأسماء فإن بعضهم زعم أن ابن خزيمة ، وابن الإمام أحمد ممن حطبوا في هـذا الحبل، وكونوا بما صنفوا فرقة من الرعاع أحدثت بعض الشغب في بغداد ، ثم انتهى أمرها.
ورد في الكامل لابن الأثير أن الخليفة العباسي الراضي بالله أصدر مرسومًا في شأنهم جاء فيه:
.. تزعمون أن صورة وجوهكم القبيحة السمجة على مثال رب العالمين، [ص : 132] وهيئتكم الرذيلة على هـيئته، وتذكرون الكفَّ والأصابع والرجلين المذهبتين(!) والشعر القطط، والصعود إلى السماء والنزول إلى الأرض، تعالى الله عما يقول الظالمون والجاحدون علوًّا كبير.. إلخ.
وكان ذلك في القرن الرابع سنة 323هـ.
وذكر ابن عساكر في كتابه ((تبيين كذب المفتري على الإمام أبي الحسن الأشْعري)): أن هـؤلاء المجسمة أبوا إلا التصريح بأن المعبود ذو قدم وأضراس ولهوات وأنامل، وأنه ينزل بذاته في صورة شاب .. إلخ.
ووصفهم أئمة الشافعية الذين أبلغوا عنهم السلطان بأنهم جماعة من الأوباش الرعاع المتسمين بالحنبلية (!) وطلبوا الضرب على أيديهم!
والإمام ابن حنبل رضي الله عنه بريء من هـذا النسب، فما كان مشبهًا يومًا ولا زائغًا عن الصراط، وسنقرأ لابن الجوزي من كتابه ((صيد الخاطر)) تعليقًا على مسلك هـؤلاء الحمقى.. قال: عجبت من أقوام يدعون العلم ويميلون إلى التشبيه بحملهم الأحاديث على ظواهرها، فلو أنهم أمرُّوها كما جاءت لسلموا، لأن من أمَرَّ ما جاء من غير اعتراض ولا تعرُّض فما قال شيئًا لا له ولا عليه!
ولكن أقوامًا قصرت في علومهم فرأوا أن حمل الكلام على غير ظاهره نوع تعطيل، ولو فهموا سعة اللغة ما ظنّوا هـذا، وما هـم إلا بمثابة قول الحجاج لكاتبه وقد مدحته الخنساء ، فقالت:


إذا هـبط الحجاج أرضًا سقيمة
تتّبع أقصى دائها فشفاها
شفاها من الداء العضال الذي بها
غلام إذا هـز القناة سقاها




فلما أتمت القصيدة قال لكاتبه: اقطع لسانها! فجاء ذلك الكاتب المغفل بالموسى! فقالت له الخنساء: ويلك، إنما قال: أجزل لها العطاء!! ثم [ص : 133] ذهبت إلى الحجاج ، فقالت: كاد والله يقطع مقولي.
فكذلك الظاهرية الذين لم يقفوا عند التسليم بما ورد، فإنه من قرأ الآيات والأحاديث ولم يزد لا يلام، وهذه طريقة السلف.
فأما من قال: الحديث يقتضي كذا، ويحمل على كذا، مثل أن يقول: استوى على العرش بذاته، وينزل إلى السماء الدنيا بذاته! فهذه زيادة فهمها قائلها من حسِّه هـو لا من النقل!! ولقد عجبت لرجل أندلسي يقال له: ابن عبد البر -من أكابر العلماء، ولا تعجبنا طريقة ابن الجوزي في تناول الرجل بهذا الأسلوب- صنف كتاب ((التمهيد)) فذكر فيه حديث النزول إلى السماء الدنيا، فقال: هـذا يدل على أنه سبحانه على العرش لأنه لولا ذلك لما كان لقوله ((ينزل)) معنى! وهذا كلام جاهل بمعرفة الله عز وجل، لأن هـذا استسلف من حسِّه ما يعرفه من نزول الأجسام، فقاس صفة الحق عليه، فأين هـؤلاء واتباع الأثر؟ لقد تكلموا بأقبح ما يتكلم به المتأولون ثم عابوا المتكلمين..
واعلم أيها الطالب للرشاد أنه قد سبق إلينا من العقل والنقل أصلان عليهما مرُّ الأحاديث كلها.
أما النقل، فقوله سبحانه:
( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ )
ومن فهم هـذا لم يحمل صفة له على ما يوجب الحسّ.
وأما العقل، فإنه قد علم مباينة الصانع للمصنوعات، واستُدِلّ على حدوثها بتغيرها، ودخول الانفعال عليها، فثبت له قدم الصانع.
ومضى ابن الجوزي يشرح وجهة نظره، ويرد على المشبهة، ويتأول النصوص التي قد توهم ذلك (أليس في الحديث الصحيح أن الموت يذبح بين الجنة والنار؟ ثم يسأل: كيف يُتصوَّر عقلا ذبح الموت؟ وكيف تفسِّر [ص : 134] الحديث؟ الجواب أن الكلام من باب التمثيل، والصورة المحكية هـي تقريب لمعنى موت الموت وخلود أهل الجزاء فيما نالوا.
وكذلك ما صح أنه تأتي سورة البقرة وآل عمران كأنهما غمامتان، إن الكلام لا يكون سحابًا! وإنما المراد إتيان ثواب التلاوة.
ما الدليل الصارف لهذه النصوص عن ظواهرها؟ إنه علمنا بأن الكلام لا يشبه الأجسام، وأن الموت لا يذبح ذبح الأنعام!!
فإذا كنا صرفنا عن الموت والكلام ما لا يليق بهما أفلا نصرف عن ذات الله سبحانه وتعالى ما يجعله شبيهًا بخلقه؟ ومعنا في ذلك أدلة العقل والنقل؟
ربما فُهم من هـذا السياق أن ابن الجوزي من محبِّذي التأويل ودعاته، وأنه إن لم ينتم إلى الخلف فقد انتهج نهجهم وسار على دربهم! وهذا غير صحيح! وسننقل له هـنا جملة عنيفة على المئولين، إن الرجل يرفض التشبيه وما يؤدي إليه، ويريد التمشي مع النصوص في نطاق الأصلين: النقلي والعقلي، اللذين ذكرناهما آنفًا، قال رحمه الله: من أضر الأشياء على العوام: كلام المتأولين والنفاة للصفات... فإن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام بالغوا في الإثبات ليتقرر في نفوس العوام وجود الخالق، فإن النفوس تأنس بالإثبات، وإذا سمع العامي ما يوجب النفي طرد عن قلبه ما ثبت عنده!
بيان ذلك أن الله تعالى أخبر باستوائه على العرش، فأنست النفوس إلى إثبات الإله ووجوده.
قال تعالى:
( وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ) (الرحمن: 27).
وقال:
( بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ ) (المائدة: 64 [ص : 135]
( غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ) (المجادلة: 14).
( رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ ) (المائدة: 119).
وأخبر أنه ينزل إلى السماء الدنيا، وقال: ( قلوب العباد بين أصبعين من أصابع الرحمن )
وقال: ( كتب التوراة بيده، وكتب كتابًا فهو عنده فوق العرش ) إلى غير ذلك مما يطول ذكره، فإذا امتلأ العاميّ والصبي من الإثبات، وكاد يأنس من الأوصاف بما يقود إليه الحس، قيل له: ( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ) (الشورى: 11).
فَمُحِيَ من قبله ما توهمه الخيال.
قال ابن الجوزي : وأكثر الخلق لا يعرفون الإثبات إلا على ما يألفون من الحسّ، فيقنع الشارع منهم بذلك إلى أن يفهموا التنزيه، فأما إذا ابتدأنا بالعامي.. فقلنا ليس في السماء ولا على العرش ولا يوصف بيد، والكلام صفة قائمة بذاته ليس عندنا منه شيء، وأنه لا يتصور نزوله... امَّحى من نفسه تعظيم المصحف، بل لم يتحقق في سرِّه إثبات إله، وهذه جناية عظمى على الأنبياء...
يعني أن هـذا المسلك العقلي المحض يهدم ما اجتهد الأنبياء في تأسيسه، وأخذ الناس به، والأمر لا يحتاج إلى تأويل اليد بالنعمة أو القدرة، ولا أن نشرح حديث القلوب بين أصبعين بأن القلوب بين أثرين من آثار الربوبية، هـما: الإقامة على الحق أو الإزاغة عنه.. إلى آخر ما ذكره أصحاب التأويل في المتشابهات، وأصلح ما يقال: أمرُّا هـذه الأشياء كما جاءت، ولا تتمحلوا لها تأويلا. [ص : 136]
قال ابن الجوزي بعد شرح لرأيه:
ومن فهم هـذا الفصل سلم من تشبيه المجسِّمة، وتعطيل المعطِّلة، ووقف على جادّة السلف الأول..
إن نقاد ابن الجوزي اتهموه بالتناقض! وهذا ظلم للرجل، فهو شديد الحرص على حقائق الدين، وعلى تنزيه الله وتمجيده، وقد كان لزامًا عليه أن ينقذ الإسلام من صنفين خطيرين:
أصحاب التصوير المادي الساذج الذي يفهمون الألوهية بخيال الأطفال.
وأصحاب التجريد العقلي الذين يصوِّرون الألوهية مفهومًا يرتفع ويرتفع، ولا يزال يرتفع حتى يغيب عن الأنظار والأفكار..
وما دام التأويل ضرورة في شرح بعض النصوص، وما دام السلف والخلف قد اضطروا إليه جميعًا، فنحن مع السلف نفوض رافضين التجسيم، ومع الخلف نُئَوِّل رافضين التعطيل...!
Admin
Admin
المدير العام
المدير العام
المساهمات : 4143
نقاط : 5608
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 31/01/2021
العمر : 34
الموقع : تونس 2050
https://tn50.yoo7.com

مشكلات في طريق الحياة الإسلامية // محمد الغزالي - صفحة 5 Empty رد: مشكلات في طريق الحياة الإسلامية // محمد الغزالي

الخميس فبراير 04, 2021 1:07 pm
السلوك الرشيد..




وأرشد المسالك: أن نهتم بالمحكم من التنزيل، ونصرف إليه اهتمامنا، وأن نتجاوز المتشابه ، فلا نحاول إعمال الفكر فيه، إذ ليس للعقل مجال فيما وراء المادة.
هذا مع تقرير أن الفارق بعيد بين ما يحكم العقل باستحالته وبين ما يحس العجز عن سبر حقيقته، فكون الواحد ثلاثة مستحيل! أما كونه أزليًّا أبديًّا، لا أول له ولا آخر، فحق وإن غاب على العقل إدراكه.
أتراني أحسن فيما انتهيت إليه؟ لقد بذلت الجهد وأبرأت الذمة وخدمت الأمة! وسيقول قوم: لا، إنك انتهيت بنا إلى غير ما ننتظر، ولهؤلاء الإخوة [ص : 137] أسوق هـذه الملاحظات..
إن أعداءً حلّوا مكان أعداء، وأسلحةً شُرعت مكان أسلحة، فلتتغير وسائل الدفاع!
كنت أستمع إلى الأستاذ في الفصل وهو يقرر موقف الإسلام من الفلاسفة، ويذكر أبياتًا مطلعها: بثلاثة كفر الفلاسفة العدى!!
وكان ينظر شزرًا في ركن من الفصل كأن الفلاسفة قابعون فيه يستمعون إلى قرار الاتهام.
والثلاثة المذكورة: القول بقدم العالم، وإنكار الجزاء الحسِّي، وإنكار علم الله بالجزئيات.
إن هـؤلاء المتهمين ماتوا، ونبت مكانهم كفار لهم قضايا أخرى... ولقد انتهى سخف الجهمية والكرامية وأمثالهم، ويمكن أن تدرس قضاياهم مع المخلَّفات الفكرية، ويتجه الانتباه إلى ألوان أخرى من الانحراف جدَّت في العالم..
والعقل الإنساني الآن يوم يؤمن بالله كما وصفه القرآن الكريم، فسوف يزهد في كثير من الخلافات القديمة، ولن يقف طويلا أمام المتشابهات، إنه عقل رفض البحث في كنه الضوء، وأحسن الانتفاع بالضوء في مجالات كثيرة..
نعم، يوم يؤمن هـذا العقل فسوف يتجاوز قضايا المصاطب التي خلقها الفراغ! المهم أن نجعله يؤمن!
الصراع بين المسلمين وغيرهم قد انتقل إلى ميادين يجب أن ندرسها ونستعدَّ لها بعقل يفهم الوحي والكون معًا.
وتوجد بين الشباب المسلم طوائف غريبة، فيها ورثةٌ لفكر الخوارج وفقه [ص : 138] الظاهرية، وخيال المجسِّمين! وفيها من يرفع خسيسته بشتم الأئمة تحت علم السنة، ومن يعيد الكهانة القديمة باسم دين الفطرة، ومن ينشر البداوة ويحارب التقدم الحضاري باسم التقوى والمحافظة على معالم الإسلام..
ونترك النزاع باسم العقيدة إلى النزاع باسم العبادة..
Admin
Admin
المدير العام
المدير العام
المساهمات : 4143
نقاط : 5608
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 31/01/2021
العمر : 34
الموقع : تونس 2050
https://tn50.yoo7.com

مشكلات في طريق الحياة الإسلامية // محمد الغزالي - صفحة 5 Empty رد: مشكلات في طريق الحياة الإسلامية // محمد الغزالي

الخميس فبراير 04, 2021 1:08 pm
خلاف الفقهاء..




إن الخلاف الفقهي في الفروع قديم قدم الإسلام نفسه، وهو خلاف لا بد منه، ولا خوف على الدين من بقائه إلى قيام الساعة!
كل ما نبغيه أن يكون هـذا الخلاف في حدود الفكر العلمي الإسلامي والضمير الراغب إلى الله الحريص على مرضاته..
وقد أجمع المسلمون على أن الكتاب والسنة دعائم التشريع الأولى، ولم يقل مسلم في المستقدمين أو المستأخرين: إن سنة محمد صلى الله عليه وسلم تهمل، وإنها ليست مصدرًا للتشريع!
وما يردده الآن بعض الشواذ منكر قبيح، ودلالة خبال وفسوق..
وقد تتفاوت الأنظار في تقدير المرويات، والحكم بقبولها أو رفضها، ولا يعني هـذا ترك السنة، فإن ما قرر العلماء ثبوته موضع الاحترام..
وعندما يترك فقيه حديثًا من أحاديث الآحاد لدليل آخر أقوى منه في الكتاب أو السنة، فهو لا يتهم بترك السنة، وغاية ما يوصف به أنه شديد التحري في الإثبات، وأنه ما ترك قط حديثًا يعتقد أنه صحيح.
لما ألفت كتابي ((عقيدة المسلم)) لم أذكر شيئًا عن المهدي المنتظر، وعندما خوطبت في ذلك، وقيل لي: لِمَ لمْ تذكره في علامات الساعة؟ قلت: من محفوظاتي وأنا طالب أنه لم يرد في المهدي حديث صريح، [ص : 139] وما ورد صريحًا فليس بصحيح! وإذا كان ما ورد لم ينهض إلى تكوين حكم ثابت، فكيف أجعله عقيدة تفصل بين الكفر والإيمان، وأردفت ضاحكًا: المشكلة الآن ليست في المهدي المنتظر ، إنما هـي في المهدي غير المنتظر، الذي يفاجئنا بظهوره بين الحين والحين، ويزيد العدد في إحصاء الدجالين..
ومن تجاربي مع السنة الشريفة أن المسلمين أخطئوا مرتين في تقديرها:
المرة الأولى: عندما روَّجوا للمرويات الضعيفة، وفسحوا لها في تقاليدهم وأخلاقهم وعباداتهم أحيانًا.
والمرة الثانية: عندما عجزوا عن وضع الصحيح موضعه الحقيقي، ولم يحرروا المراد منه تحريرًا ذكيًّا.
ولن أنسي أبدًا أن رسالة طبعت في مكة المكرمة تؤكد أن الرسول صلى الله عليه وسلم أغار على الناس دون دعوة! وشنَّ الحرب ليأخذ الناس على غرَّة!! وأخرى تفسر الغزوات بأنها حرب هـجومية ابتداء.
والمشتغلون بالسنن من هـذا الصنف الغبي بلاء على الكتب والسنة معًا، وهم طراز مقلق للجهل المركَّب.
وقد تكوَّن عندي شعور ينمو على مر الأيام، قوامه: أن ضعيف الصلة بالقرآن الكريم، المحجوب عن هـداياته وأنواره لا ينبغي أن يشتغل بالسنة ويستنبط الأحكام منها، فإنه قلما يهدي إلى الحكمة مع صدوده عن الينبوع الأول للحكمة، وهو كتاب الله سبحانه وتعالى.
ولست أعني بضعف الصلة قلة التلاوة، وإنما أعني ضعف التدبُّر، وبلادة الشعور، وعدم إدراك الدلالات البعيدة للكتاب العزيز!
ولما كنت أول عهدي بالفقه، قد درسته على مذهب أبي حنيفة ، فإني لا أزال أرى القرآن أولى بالتقديم من الآثار الأخرى، وأن التحريم [ص : 140] لا بد فيه من قاطع.. إلخ.
ومع هـذا الميل الفقهي، فلست أقطع الطريق على غيري من أصحاب العقول العلمية!
Admin
Admin
المدير العام
المدير العام
المساهمات : 4143
نقاط : 5608
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 31/01/2021
العمر : 34
الموقع : تونس 2050
https://tn50.yoo7.com

مشكلات في طريق الحياة الإسلامية // محمد الغزالي - صفحة 5 Empty رد: مشكلات في طريق الحياة الإسلامية // محمد الغزالي

الخميس فبراير 04, 2021 1:08 pm
النص القرآني.. ورواية الآحاد..




ويعجبني قول الشيخ محمد رشيد رضا :
التفرقة بين ما ثبت بنص القرآن من الأحكام وما ثبت بروايات الآحاد وأقيسة الفقهاء ضرورة، فإن من جحد ما جاء في القرآن يحكم بكفره، ومن يجحد غيره ينظر في عذره! فما من إمام مجتهد إلا وقد قال أقوالًا مخالفة لبعض الأحاديث الصحيحة لأسباب يعذر بها، وتبعه الناس على ذلك، ولا يَعُدُّ ذلك أحد خروجًا من الدين، حتى من لا عذر له في التقليد، فما بالك في مخالفة بعضهم بعضًا في الأقوال الاجتهادية التي تختلف فيها أقيستهم؟)
وقد تسأل: ما العذر في ترك حديث صحَّ؟ والجواب: نص آخر أقوى منه مثلا! فالمالكية لم يحكموا إلا بتحريم ما ورد في الآية:
( إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ ) (البقرة: 173).
وما عدا ذلك فهو مباح، وقد يكره فقط رعاية لبعض المرويات الواردة في كتب السنة.
والأحناف أوجبوا الزكاة في كل ما خرج من الأرض إمضاء لقوله تعالى:
( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنْ الأَرْضِ ) (البقرة: 267). [ص : 141]
ورفضوا قصر الزكاة على محاصيل معينة مما ورد في السنن..
والشافعية ردُّوا من السنن ما يفيد أن لمس المرأة مثلا لا ينقض الوضوء!
والحنابلة ردوا ما ورد من أن رضاع الكبار يحرّم، وأمضوا فقط الرضاع الذي ينبت اللحم ويشد العظم..
وهذه نماذج سريعة في ذلك العرض المحدود.. إن المرويات كثيرة، والأفهام أكثر، ووجهات النظر الفقهية لا تبدأ من فراغ، ولننظر مثلا في هـذه القضية.. عقد بيع تضمَّن شرطًا! إن فقهاء قالوا بفساد البيع والشرط، وآخرون قالوا بصحتهما معًا، ومن الفقهاء من قال بصحة البيع وفساد الشرط، وثمت أقوال أخرى، قال ابن رشد في ((بداية المجتهد)):
والأصل في اختلاف الناس في هـذا الباب ثلاثة أحاديث، أحدهما: حديث جابر ( ابتاع مني رسول الله صلى الله عليه وسلم بعيرًا، وشرط ظهره إلى المدينة ) ! والحديث الثاني: حديث بريرة، قال:
( كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل ولو كان مائة شرط ) وهو متفق عليه:
والثالث: حديث جابر:
( نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المحاقلة هـي بيع الطعام في سنبله كما قال أبو عبيد، أو بيع الزرع - وهو مجهول القدر - بثمن محدد نقدًا كان أو سلعًا. والمزابنة حرب زبون فيها تدافع شديد، والمراد هـنا: بيع العنب بالزبيب مثلا أو الرطب بالتمر - وهذا مظنة الربا، ولذا حرمه الشارع مع رغبة المتبايعين في إمضائه. والمخابرة إجارة الأرض ببعض ما يخرج منها كجعل إيجار الفدان ثلاثة قناطير قطن. والمعاومة المعاومة من العام كالمشاهرة من الشهر، وأساس المنع الجهالة. والثنيا الثنيا كالثُّريَّا أو كالعليا بمعنى الاستثناء أن يبيع شيئًا ويستثنى بعضه. وهو موضع الشاهد هـنا. ورخص في العرايا العرايا جمع عريَّة، يقصد البلح وهو في النخل لما ينضج وللفقهاء فيه كلام طويل. ) وهو في الصحيح. [ص : 142]
ومن هـذا الباب ما روي عن أبي حنيفة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع وشرط.
فاختلفت العلماء لتعارض هـذه الأحاديث، فقال قوم: البيع فاسد والشرط فاسد، وممن قال بهذا: الشافعي وأبو حنيفة .
وقال قوم: البيع جائز والشرط جائز، وممن قال بهذا القول: ابن أبي شبرمة .
وقال قوم: البيع جائز والشرط باطل، وممن قال بهذا القول: ابن أبي ليلى .
وقال أحمد بن حنبل : البيع جائز مع شرط واحد، وأما مع شرطين فلا..
ولمالك تقسيمات طويلة في الشروط التي تبطل والتي تجيز، وليس هـنا شرح كل مذهب ودليله الذي استند إليه من السنة...
والفقهاء حين يجتهدون يَتَصَبَّبون عرقًا ولا يعبثون، ويتحرَّون رضاء الله لا رضاء حاكم أو محكوم، وإذا ردَّ أحدهم حديثًا فلدليل آخر أقوى، قد يكون أجود عنده، أو فهمًا أصْوب في نص آخر، ولا يمكن وصف هـذا المسلك بأنه ردٌّ للسنة الشريفة...
ألا ترى أن عمر بن الخطاب عندما رد حديث فاطمة بنت قيس في سكنى المطلقة ثلاثًا - قال: تصويبًا لعمله ـ: لا ندع كتاب ربنا وسنة نبينا لقول امرأة لا ندري حفظت أم نسيت!
أي: أن الرد للراوي لا لصاحب الرسالة عليه الصلاة والسلام ! وسواء أخطأ عمر في اجتهاده أو أصاب فلا موضع للشغب على صدق اتباعه للنبي صلى الله عليه وسلم وحرصه على سنته.. [ص : 143]
Admin
Admin
المدير العام
المدير العام
المساهمات : 4143
نقاط : 5608
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 31/01/2021
العمر : 34
الموقع : تونس 2050
https://tn50.yoo7.com

مشكلات في طريق الحياة الإسلامية // محمد الغزالي - صفحة 5 Empty رد: مشكلات في طريق الحياة الإسلامية // محمد الغزالي

الخميس فبراير 04, 2021 1:09 pm
بين الاجتهاد.. والتقليد..




وقد كنت أرى الطريق الأفضل في فهم الأحكام الفرعية سوق النص أولا من الكتاب والسنة، ثم إتباعه بأفهام الفقهاء الكبار، ومن يليهم من أهل العلم.
ثم قرأت كلامًا آخر للشيخ الأديب الفقيه على الطنطاوي تعليقًا على كلمة جميلة لابن الجوزي في منع التقليد، نذكرها أولا، ثم نذكر التعليق: قال ابن الجوزي ينصح طالب العلم:... ينبغي له أن يطلب الغاية في العلم، ومن أقبح النقص: التقليد، فإن قويت هـمته رَقَّتْه إلى أن يختار لنفسه مذهبًا ولا يتمذهب لأحد، فإن المقلِّد أعمى يقوده من قلَّده..
قال الشيخ علي: أي يستعد بالتعلُّم والدأب حتى يصل إلى القدرة على الاجتهاد وترك التقليد! لا أن يجتهد لنفسه وهو لا يعرف من عُدَّة الاجتهاد إلا حفظ أحاديث، وقدرة على معرفة مكان وجودها، والبحث في كتب الرجال عن أحوال رواتها.
قال:
والناس في هـذه المسألة بين مُفْرِطٍ في اتباع المذاهب، لا يفرق بين الحكم المؤيد بالنص الصريح وما هـو رأي للفقيه، وبين مُفَرِّطٍ فيها، يتركها جملة ويحاول أن يأخذ من الأحاديث رأسًأ، ولو لم يكن عنده أدوات الأخذ من الحديث.
قال:
والحق أنه على المسلم أن يتفقه أولا في مذهب معين، فيعرف أحكام دينه، ثم ينظر في دليلها، ويحاول أن يتعلم ما يعين على معرفة طرق الاستدلال وقوة الدليل، ثم ينظر، فإن رأى دليلا ثابتًا أقوى من دليل مذهبه أخذ به، وقد بين ابن عابدين في أول الحاشية أن الحنفيَّ المقلِّد الذي يجد [ص : 144] حديثًا صحيحًا على خلاف مذهبه، عليه أن يأخذ به، لا سيما في العبادات، وليس يخرج في ذلك عن كونه حنفيًّا، والله قد أوجب على المسلم اتباع الكتاب والسنة، ولم يلزمه بمذهب من المذاهب الأربعة ولا غيرها، وما التقليد إلا رخصة للعاجز عن الأخذ من الكتاب والسنة.
والمتأخرون الذين قالوا باتباع أحد المذاهب الأربعة، إنما قالوا ذلك لما رأوا غلبة العجز على الناس، ولئلا يصير الأمر فوضى، فيدعى كل واحد أنه صار أبا حنيفة أو الشافعي كما هـو الحال الآن.
والمتأخرون الذين قالوا باتباع أحد المذاهب الأربعة، إنما قالوا ذلك لما رأوا غلبة العجز على الناس، ولئلا يصير الأمر فوضى، فيدعى كل واحد أنه صار أبا حنيفة أو الشافعي كما هـو الحال الآن.
إنني ملت إلى هـذا الرأي، وإن كان لا يختلف في نتيجته عن مُقْتَرحي الأول، فالمصير هـنا أو هـنا هـو كتاب الله وسنة رسوله..! والذي دفعني إلى ترجيح كلام على الطنطاوي هـو ما بلوته ممن يشتغلون بالسنن مع قصور الفقه وضعف الخلق.
إن نبينا عليه الصلاة والسلام بعث ليتمم مكارم الأخلاق، وهؤلاء الناس يذهبون بأنفسهم وَيَتَلَّمسُّون للبرآء العيب، ويدعون العلم، ويتهمون أكابر الفقهاء بالجهل ومشاقَّة الرسول صلى الله عليه وسلم
وقد تبنَّوْا أحكامًا معينة في قضايا صغيرة أو كبيرة، وخرجوا بها على الناس فزادوا المسلمين فرقة وزادوا الطين بلَّة...!
ولما كان الإسلام يمرّ بفترة عصبية من تاريخه الطويل، ولما كان ضغط الأديان الباطلة والمذاهب الجائرة شديدًا عليه، ولما كان أحوج ما يكون إلى أولي النهي والحصافة يعرضون تعاليمه، ويحسنون الذود عنه، فإن هـؤلاء انطلقوا بقصورهم وجراءتهم يتحدثون عنه فأساءوا وأسفُّوا ووقفوا سيره وألحقوا به التهم..!
إن تاريخنا الثقافي عامر بالرجال الراسخين في العلم، ولهؤلاء الرجال نظرات لها وزنها في فلسفات العالم وما يسوده من تيارات، ولهم كذلك في [ص : 145] فقه الكتاب والسنة مذاهب محترمة، وقد استقر الأمر في ديننا أنه لا عصمة لأحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم لا ننتفع بهذه الحصيلة الرائعة من ثقافتنا الإسلامية ونحن نواجه في فلسفة الأخلاق والقانون والحضارة ما لا بد من ردِّه بالحسنى؟؟
قد تسألني: ماذا تعني؟ أقول لك: إنني لا أبخس عظيمًا حقه لرأي ارتآه قد يخالفه فيه الآخرون ولا أرى حرجًا في تجاوز ما يقال عن خطئه، والاستفادة من خيره الكثير بعد ذلك!
إن ابن حزم مخطئ في إنكار القياس، والإغراق في الأخذ بالظاهر، بيد أنه عالم فحل في مقارنة الأديان، وفي الاستنباط من الأثر، وله عبقرية في هـذا الميدان لا معنى لإهالة التراب عليها.
وأبو حامد الغزالي يعترف علماء الغرب أنه ألحق بفلسفة اليونان دمارًا محققًا في كتابه ((تهافت الفلاسفة)) وهو أصولي وفقيه، وأديب ومتحدث في التربية والأخلاق لا يشق له غبار! كيف أتناسى كل هـذه المذاهب لأنه أخطأ في بعض المرويات..
تقول: إنه من أهل التأويل!! إن مفكري السلف والخلف جميعًا اضطروا إلى التأويل، وإن كان السلف أكثر تفويضًا وأقل تأويلا.
لقد تتلمذت على كتابات لابن الجوزي وابن تيمية والغزالي وابن رشد ، وانتفعت من صواب أولئك كلهم، وتركت ما تعقَّبهم الآخرون فيه بحق!
وعندي أن تأويل الغزالي حينًا لا يخدش منزلته، كما أن إنكار ابن تيمية للمجاز أو توقفه في نفي الجسمية لا يخدش منزلته..
لماذا أذهل عن الجهود العلمية الجبارة التي خلّفوها بعدهم في نصرة الإسلام وردّ خصومه والنصح لأمته؟
لماذا أتوقع العصمة من البشر، وأجعل الأخطاء القليلة التي تنسب إليهم [ص : 146] جبالا تنهدم فوق رءوسهم وتأتي على ذكراهم، ما أحوجني وإياهم إلى مغفرة الله وأحوج الإسلام بعد ذلك إلى جهاد أبنائه على اختلاف معادنهم ومنازعهم في الذبِّ عنه، وردِّ الذئاب الشرسة التي تغير عليه في هـذا العصر..
Admin
Admin
المدير العام
المدير العام
المساهمات : 4143
نقاط : 5608
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 31/01/2021
العمر : 34
الموقع : تونس 2050
https://tn50.yoo7.com

مشكلات في طريق الحياة الإسلامية // محمد الغزالي - صفحة 5 Empty رد: مشكلات في طريق الحياة الإسلامية // محمد الغزالي

الخميس فبراير 04, 2021 1:09 pm
التعاون في المتفق عليه..




إن ما يتفق المسلمون عليه كثير، فلماذا لا يتعاونون على تحقيقه؟ أحسب أنهم لو اجتمعوا على ذلك لما بقي لديهم وقت للخلاف على الفرعيات، ولو اختلفوا عليها ما بقي لديهم وقت لتحويل الخلاف إلى حرب باردة ساخنة..!!
إنني أحب أهل الحديث، والدارسين لعلومه، وذلك فرع من حبي الجمّ لصاحب الرسالة، قمة القمم ونبي الأنبياء محمد بن عبد الله صلوات الله عليه وسلامه، وأرى أن هـذا الجانب من ثقافتنا الإسلامية لا بد منه ولا غنى عنه...
لكن من قال: إن رجال الفقه ومجتهديه العظام جانب آخر يغاير الأول، وإن الفقهاء سبب فرقة الأمة، وبعدها عن ينابيع الإسلام الأولى؟
إن هـذا الكلام ضرب من اللغو! ولقد تتبعت خلافًا في عدد من القضايا نشب بين المشتغلين بالسنة المعْنِّين بالرواية، فوجدته لا يقل عما يجري في آراء الفقهاء من تفاوت.
فابن حزم يوقع الطلاق الثلاث، ويرى هـذا الحكم ما تدل عليه السنة، ولو كان بكلمة واحدة.
وابن تيمية يرى غير ذلك، ويعد الثلاث واحدة ما دامت في المجلس أو بلفظ واحد، ويبني على ذلك جواز الرجعة، بينما يرى ابن حزم أنه لا تحل له حتى تنكح زوجًا غيره.. [ص : 147]
وابن حزم يرى الغناء - الحسن - مباحًا، ويجيز بيع آلاته من معازف ومزامير.
ويرى ابن الجوزي وابن تيمية وابن القيم تحريم هـذا كله..
ورأيت خلافًا بين الشيخ الألباني - وهو محدث كبير - وبين الإمامين ابن تيمية وابن القيم، فالألباني يرى الغسل يوم عرفة بدعة، ويراه ابن تيمية ثابتًا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم! والألباني يرى الجمع بين الصلاتين في السفر ثابتًا! ويقول ابن القيم : لم يكن ذلك من هـديه صلى الله عليه وسلم.
ويقول ابن تيمية: إن الوضوء من مسِّ الذكر مستحب، ويقول الألباني بل واجب!
ولو تتبعان ما اختلف فيه المعتمدون على الأحاديث لطال بنا الإحصاء.
وآخر ذلك ما قاله الشيخ الألباني من حرمة الذهب المحلَّق - المستدير - على النساء اعتمادًا على حديث لا يصح، وفهم لا يتعين كما يرى معارضوه، مع أن الإجماع على حلِّه لهن..!
ماذا يعني هـذا كله؟ يعني أن اختلاف الآراء وتباين المذاهب شيء لا يمكن تجاهله، ولا الفرار منه، فتلك سنة الله في الأنفس والأذهان.
والخلاف لا يحل بالعصيِّ، ولا بالسفاهة! وإنما يحلُّ بالتعاون على ما اتفقنا عليه والتماس العذر للمخالف إذا كان أهلا للبحث والاجتهاد.
إن خطأ المجتهد مأجور.. وينبغي إغلاق الأبواب أمام التافهين حتى لا يتكلم في دين الله إلا أهل الذكر..
ومن طلب وجه الله قنع بما يحسن، وحرس الإسلام في الميدان الذي يعمل به!
وكم من ميدان عمل الآن يخلو من الرجال، لأن الرجال يتهارشون في ميدان الكلام حول بعض الفروع التي لا تجدي على الإسلام شيئًا. [ص : 148]
الرجوع الى أعلى الصفحة
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى