منتديات تونس 2050
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
أفضل 10 أعضاء في هذا الأسبوع
لا يوجد مستخدم
المواضيع الأخيرة
صحيفة الشرق الأوسط السبت مايو 22, 2021 6:39 amAdmin
صحيفة القدس العربي السبت مايو 22, 2021 6:37 amAdmin
صحيفة العرب اللندنية السبت مايو 22, 2021 6:35 amAdmin
صحيفة العربي الجديد السبت مايو 22, 2021 6:33 amAdmin
مجلة التسلية والترفيهالخميس مايو 06, 2021 11:34 amAdmin
سلسلة رمضان يجمعناالثلاثاء أبريل 27, 2021 10:19 pmAdmin
Salam | سلامالثلاثاء أبريل 27, 2021 10:10 pmAdmin
بحـث
نتائج البحث
بحث متقدم

اذهب الى الأسفل
Admin
Admin
المدير العام
المدير العام
المساهمات : 4143
نقاط : 5608
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 31/01/2021
العمر : 34
الموقع : تونس 2050
https://tn50.yoo7.com

مشكلات في طريق الحياة الإسلامية // محمد الغزالي - صفحة 2 Empty مشكلات في طريق الحياة الإسلامية // محمد الغزالي

الخميس فبراير 04, 2021 8:38 am
تذكير بمساهمة فاتح الموضوع :

مشكلات في طريق الحياة الإسلامية // محمد الغزالي


تقديم بقلم: عمر عبيد حسنة


إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هـادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
وبعد: فهذا كتاب (الأمة) الأول وهو باكورة أعمالها، في مجال المساهمة في تحقيق الوعي الثقافي الإسلامي، الذي عزمت على المضي به اليوم، وتخليصه من النظرات الجزئية المتناثرة، وعجزه عن مواجهة مشكلاته، وتحدياته الداخلية منها والخارجية، على ضوء رؤية إسلامية ذات دراية وفقه، بعيدًا عن المواقف والتصرفات الانفعالية الخطابية غير المتوازنة التي لا تخرج عن كونها ومضات آنية تحرك العاطفة ولا تهدي العقل، ومن ثم تتركها لعبث الأهواء وتقاذف الأمواج. [ص : 7]
لا بد من إعادة ترتيب للعقل الإسلامي المعاصر، حتى يتمكن من تحقيق النظرة الكلية للأشياء، والقدرة على تصنيف المشكلات، ووضع سلم منضبط لقضية الأولويات، وتوفر الجهود والطاقات، وتوجهها إلى المجالات المجدية من خلال الصورة العالمية بكل تعقيداتها وتشابكها، وتطوير وسائل الدعوة إلى الله بما تقتضيه الحال، واختبار الأسلحة القديمة، لأن بعضها أصبح يتحرك في الفراغ، يصول ويجول في معارك وهمية انتهت بأصحابها وأسلحتها وقد تغيرت الحال..
لقد تبدلت مشكلات العالم، وتبدلت أسلحته، ونحن ما زلنا نصرُّ على مواجهة المشكلات الجديدة، والدخول في المعارك الجديدة بالأسلحة والوسائل القديمة، التي أقل ما يقال فيها: إنما وجدت لغير هـذه المعارك وغير هـذه المشكلات.
وما زالت تلك الوسائل تُسْلِمنا من هـزيمة إلى أخرى، على مختلف الأصعدة، ولولا بعض الحصون القديمة التي بُنِيَتْ لنا نلوذ بها ونحتمي فيها لأصبحنا أثرًا بعد عين.
لا بد من انتهاء أحلام اليقظة في حياتنا، والتي ما زالت تسيطر على قطاعات كبيرة من عالم المسلمين اليوم، والوصول إلى اليقظة غير الحالمة، بكل مقوماتها، ونستطيع أن نقول إلى حدٍّ بعيد: إن الجيل المسلم اليوم أَحْسَن الدخول في سن التمييز، لكنه إلى الآن لم يحسن الخروم منه، والانتقال إلى مرحلة الرشد التي تلي مرحلة التمييز، لقد كان عطاء سن التمييز طيبًا، حقق لنا الاعتزاز بهذا الدين، والاستعلاء به والثقة بقدرته، بعد أن كادت تغتالنا مذاهب الشياطين، لكن هـذا الإيمان يقتضي حركة منضبطة مع مبادئ الإسلام، يقتضي سلوكًا رشيدًا يأخذ [ص : 8] باعتباره كل الظروف المحيطة إلى جانب الوسائل المتاحة، وليست الاستراتيجية في حقيقتها إلا القدرة على التصرف بالإمكانيات المتاحة من خلال الظروف المحيطة، ولا تخرج الحكمة التي أُمِرْنا أن ندعو إلى الله بها - بقوله:
( ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هـي أَحْسَنُ إِنَّ رَبِّكَ هـو أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ) (النحل: 125).
... عن حسن التقدير وحسن الأداء، والقراءة الصحيحة للظروف والتعامل معها، إنها وضع الأمور بمواضعها، ووزن الأشياء بموازينها، ( يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلا أُولُو الأَلْبَابِ ) (البقرة: 269).
والرسول القدوة خاطب الناس على قدر عقولهم، وعُرِّفت البلاغة: بأنها مطابقة الكلام لمقتضى الحال.
والشيخ محمد الغزالي الذي استجاب مشكورًا للمساهمة معنا، ولتقديم كتاب ((الأمة)) الأول، غني عن التعريف، فهو يعتبر بحق أحد شيوخ الدعوة الإسلامية الحديثة وفقهائها، يحمل تاريخ نصف قرن أو يزيد من العمل الإسلامي، وهو أحد معالم الحركة الإسلامية الحديثة ورموزها، رافق نشوء الحركة الإسلامية الحديثة في مصر، كما أنه شارك في رسم سياستها، وكان على مدى هـذه الأعوام الطوال: العقل المفكر، والقلم المسطر، واللسان الناطق، حتى ليمكننا القول: بأن مؤلفاته التي تشكل [ص : 9] بمجموعها جانبًا هـامًّا من مكتبة الدعوة الإسلامية الحديثة، يمكن اعتبارها سجلا لتاريخ الدعوة الفكري إلى حد بعيد، وبذلك نستطيع أن نترسم الملامح الرئيسية للدعوة الإسلامية الحديث وتطورها من خلال هـذه المؤلفات. ذلك أن فهمه للقضية الإسلامية لم يكن فهم مؤلفات وأوراق بعيدة عن دخان المعركة، ومُثار نَقْعِها، وجلبة سلاحها، وإنما جاءت كتاباته من أرض المعركة وبأحد أسلحتها...
لم تكن كتاباته شبيهة بعمل المراسل الحربي الذي يختار الأرض الباردة للأحداث، يصفها وقد يخطئ وصفها، وإنما كان فيها الجندي المقاتل، والقائد الرائد، والناصح الأمين...
إن معظم الذين كتبوا، ويكتبون عن الإسلام تَعوزُهم المعاناة الدائمة، والحس الصادق، والعقل الراجح، والاطلاع الواسع، وحسن الفقه لمعركة الإسلام وخصومه، معظم هـؤلاء الذين كتبوا عن أدواء العالم الإسلامي، جاءت كتاباتهم أشبه بملامح رئيسية، ووصف لأعراض المرض، كان ينقصهم إلى حد بعيد خبرة المرض بدقة، ومن ثم وصف العلاج له...
كانت كتابة الشيخ الغزالي تحمل عاطفة الأم على وليدها المريض الذي تخشى أن يفترسه المرض، وبصرة الطبيب الذي يقدم العلاج، وقد يكون العلاج جراحة عضوية إن احتاج الأمر إلى ذلك...
وكانت كتبه وكتاباته تواجه التحديثات الداخلية والخارجية على حدٍّ سواء، مصداقًا لقول الرسول صلى الله عليه وسلم فيما يرويه البيهقي :
( يحمل هـذا العلم من كل خلف عدوله، ينفون عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين ) [ص : 10] وكأني بكلام الرسول صلى الله عليه وسلم يجمل في هـذا الحديث ـوقد أوتي جوامع الكلم - التحديث التي لا تخرج بمجموعها عن هـذه الثلاثة: تحريف الغلاة، وانتحال أهل الباطل، وتأويل واجتهاد الجاهل. ولا بد من المواجهة في هـذه الجبهات الثلاث. أما الإلقاء بالتبعة على واحدة منها دون سواها وإعفاء النفس من جرأة المواجهة في الجبهات الأخرى فهي النظرة الجزئية التي يعاني منها مسلم اليوم.
وحين نَعْرِض لمؤلفات الشيخ الغزالي التي رافقت خطوات الدعوة الإسلامية الأولى في العصر الحديث، والتي جاءت تسدد طريقها، وتبصرها بأعدائها، وتحذرها من المزالق التي ترسم لها، في الوقت الذي كانت تصطرع فيه الأفكار والمبادئ لإيجاد البدائل الثقافية للإسلام، وتكريس فصل الدولة عن الدين، نجد الشيخ الغزالي في الخندق الأول حيث أدرك الثغرات التي يمكن أن يتسلل منها أعداء الإسلام، من خلال واقع اجتماعي ليس له من الإسلام سوى الاسم، لذا نرى أنه من أوائل من كتب عن ((الإسلام والأوضاع الاقتصادية))، ((والإسلام والمناهج الاشتراكية)) وكان كتابه ((المفترى عليه بين الرأسماليين والشيوعيين)) أول صيحة في التميز الإسلامي، كما أنه من أوائل من تنبه إلى الخطورة والأمراض التي يخلفها الاستبداد السياسي، ولئن كانت كتاباته الأولى يمكن تصنيفها في مجال الأدب الدفاعي، إن صح التعبير، إلا أنه لم يقتصر على هـذا اللون من المواجهة الذي اقتضته الظروف من خلال الوسائل المتاحة، بل تجاوز ذلك إلى تأصيل الكثير من القضايا الثقافية في الفكر الإسلامي..
كتب في العقيدة وهي رأس الأمر كله وكتابه ((عقيدة المسلم)) من الكتب [ص : 11] المبكرة جدًّا في هـذا المجال، وكتب في السلوك الإسلامي ذلك أن الخلق هـو الغاية من البعثة المحمدية أصلا، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: ( إنما بُعِثْتُ لأُتمِّم مكارِمَ الأخلاق )
كما أنه تنبه لقضية خطيرة كانت وما زالت تهدد مجتمعات المسلمين ألا وهي قضية التعصب والتسامح التي وضح حدودها، وبين ضوابطها، حتى لا تعبث بها الأهواء، ويأكل بها الأعداء، والتي ما زالت تطل برأسها كلما سنحت لها الفرصة لتبدأ عملية التآكل الداخلي.
وبهذه المناسبة فمن الوفاء الفكري أن نعرض لكتاب الشيخ الغزالي ((من هـنا نعلم)) الذي رد فيه على الشيخ خالد محمد خالد في كتابه ((من هـنا نبدأ)) والذي بدأ فيه رحلة التضليل الثقافي ونسب للإسلام ما ليس منه، ولئن أدركت الشيخ خالد في الأيام الأخيرة توبة الفكر من هـذه القضية الخطيرة في كتابه ((الدولة في الإسلام)) وجاءت هـذه التوبة بعد مضي جيل كامل كاد يقع فريسة الضلال والتضليل، فلا بد أن نذكر هـنا الشيخ الغزالي وهو يرد انتحال المبطلين ذلك أن التوبة الآن لا تفيد إلا صاحبها وأمره إلى الله.. بعد أن أصبح التصور الإسلامي في هـذه القضية من المسلمات، وبعد أن أصبح الكتاب تاريخيًّا، وهيهات أن يسترد التاريخ... من هـنا تأتي قيمة كتاب الغزالي ((من هـنا نعلم)) الذي بنى الجدار النفسي للشباب المسلم، وحال دون اقتحامه ومغالطته.
ولسنا الآن بسبيل الكلام عن مؤلفات الشيخ الغزالي التي قد تربو على خمسة وثلاثين كتابًا، والتي تمثل إلى حد كبير حيزًا في مجال العقيدة والدعوة والسيرة والحركة والفكر والثقافة من كتبة المسلم في العصر الحديث، لا يمكن الاستغناء عنها في التأريخ لفكر الدعوة الإسلامية المعاصرة وتطوره وطبيعة المواجهة. [ص : 12]
لقد قدم الكثير من الكتابات في مجال المناصحة للدعوة الإسلامية نفسها، تمثل وجهة نظره في مشكلات الدعوة والأمراض التي أصيبت بها.
وفي اعتقادنا أن وجهة النظر هـذه وغيرها تعتبر علامة صحة في مسيرة الدعاة، فهي تغني الحركة وتطور رؤيتها، وتنقذها من آفة الحزبية التي يمكن أن تدركها لسبب أو لآخر، ولئن كانت بعض الملاحظات شديدة، وكان بعضها الآخر محل نظر إلا أنها تمثل التنوع في النظر، وليس التباين والتضاد، تمثل الاختلاف وليس الافتراق...
ولعل من أبرز الأمور التي انتهى إليها بعد هـذه الجولة الاطلاعية ذات المساحة العريضة في مختلف المجالات: أن مشكلة المسلمين الرئيسية تكمن في التمزق الثقافي الذي عرض له، وبين أسبابه في كتابه الأخير ((دستور كل شيء))، وإذا افتقدت وحدتها الفكرية فقد خسرت كل شيء، ووقعت في منطقة العجز الحضاري كما هـو حال الأمة المسلمة اليوم، ورحم الله المفكر مالك بن نبي الذي كانت صيحاته وتنبيهاته مبكرة ومتكررة للعناية بالمشكلة الثقافية التي اعتبرها أُسّ القضية.
وبعد فإن الكتاب الذي تقدمه ((الأمة)) باكورة لمساهماتها الثقافية في هـذا المجال، كما قدمنا، يعرض لمجموعة مشكلات قديمة جديدة تعيق نهضة المسلمين اليوم، ذلك أن المدافعين عن الإسلام لا ينقصهم غالبًا الحماس والإخلاص، وإنما ينقصهم عمق التجربة وحسن الفقه، إنهم يظنون أن بإمكانهم إزالة علل المسلمين في أيام معدودات، وما على الشباب إلا أن يقدم ويقاتل، ويحطم ما أمامه من عوائق، وسوف يتم له النصر.!! [ص : 13]
وإن الاستعجال حمل متاعب كبيرة، وخسائر ثقيلة للدعوة الإسلامية، بل ربما زاد خصومها قوة وتمكينًا، لذلك لا بد من بصيرة فاحصة متعمقة، تتدبر ثقافتنا، وتنقِّي منابعها، وتنقد مستوانا الحضاري الأخير، وتستكشف أسباب هـبوطه، وتوقف التراجع الحضاري الذي بدأ من أوائل القرن الثالث عشر للهجرة.
إن هـناك أكثر من سبعين صناعة مدنية وعسكرية تتعلق بالنفط واستخراجه لا نعرف منها شيئًا، فهل يخدم هـذا عقيدة التوحيد؟!
ونحن لا ندعي هـنا أن ما جاء في الكتاب يمثل الحق المطلق، وإنما هـي وجهات نظر جديرة بالدراسة والانتفاع، وإغناء الرؤية الإسلامية المعاصرة.
وهذه المناسبة تذكرنا بقولة الإمام مالك رحمه الله:
كل إنسان يؤخذ من كلامه ويرد إلا صاحب هـذا القبر ، يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم المعصوم، فهو المسدد بالوحي، المؤيد به.
نرجو الله أن يأخذ بنواصينا إلى الخير، وأن يرزقنا السداد في الرأي، والإخلاص في العمل، وأن يجزل مثوبته للشيخ محمد الغزالي على جهده وجهاده، والله يقول الحق وهو يهدي السبيل. [ص : 14]

Admin
Admin
المدير العام
المدير العام
المساهمات : 4143
نقاط : 5608
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 31/01/2021
العمر : 34
الموقع : تونس 2050
https://tn50.yoo7.com

مشكلات في طريق الحياة الإسلامية // محمد الغزالي - صفحة 2 Empty رد: مشكلات في طريق الحياة الإسلامية // محمد الغزالي

الخميس فبراير 04, 2021 8:49 am
ملحق




من أمارات النُّضرة في ثقافتنا القديمة هـذه الكلمات لابن الجوزي يدعو فيها إلى علو الهمة، ويطلب من المسلم أن يكون طليعة سابقة في كل ميدان، يقول: ينبغي للعاقل أن ينتهي إلى غاية ما يمكنه، فلو كان يتصوَّر للآدمي صعود السماوات لرأيت من أقبح النقائص رضاه بالأرض! ولو كانت النبوة تحصل بالاجتهاد رأيت المقصر في تحصيلها في حضيض! إن هـذه الصيحة الشَّماء نضحت من وحي الإيمان الحق، ومن خصائص التربية [ص : 41] الإسلامية في الشروق المحمدي الأول، وهو الشروق الذي قاده رجال أصحاب عزمات شداد، وآمال عراض، فطووا في سياحتهم المشارق والمغارب!
وابن الجوزي من علماء القرن السادس الهجري، ولو رأى المسلمين الآن في عصر الفضاء ينظرون إلى غزاة الجو ببلاهة لحمل السوط وجلد به الظهور، ولبرَّأ الإسلام من هـذا الانتماء المخزي!
وأريد أن أنقل نصًّا لإمام الحرمين يتحدث فيه عن فروض الكفاية ، وعن الموقف إذا تعارض فرض كفاية مع فرض عين ؟
ولنثبت النص أولا ثم نتبعه بشرح موجز.. قال رحمه الله: ثم الذي أراه أن القيام بما هـو من فروض الكفايات أحرى بإحراز الدرجات، وأعلى في فنون القربات، ومن فرائض الأعيان! فإن ما تعين على المتعبد المكلّف لو تركه ولم يقابل أمر الشارع فيه بالارتسام ـالانقيادـ اختص المأثم به، ولو أقامه فهو المثاب.
ولو فرض تعطيل فرض من فروض الكفايات لعمَّ المأثم الكافة على اختلاف الرتب والدرجات، فالقائم به كافٍ نفسه وكافة المخاطبين الحرج والعقاب، وآمل أفضل الثواب، ولا يهون قدر من يحل محل المسلمين أجمعين في القيام لمهم من مهمات الدين.
ثم ما يُقضى عليه بأنه من فروض الكفايات قد يتعين على بعض الناس في بعض الأوقات، فإن من مات رفيقه في طريقه، ولم يحضر موته غيره تعين عليه القيام بغسله وتكفينه ودفنه... إلخ.
ومضى الإمام بمنهجه الذكي يشرح ضرورة التيقظ لفروض الكفاية، ويبين كيف تتحول فروض عين، ويبدي رأيه في تقديمها على الواجبات العينية في بعض الأحيان. [ص : 42]
ولست أحب الجدل في قضايا موهومة، فأتخيل في دنيا الناس اليوم أن الوقت لا بد فيه من أحد أمرين: إما الصلاة مثلا، وإما كذا من الواجبات الكفائية!
إن أسبوع العمل في العالم المتقدم أربعون ساعة فقط! استغرقت كل ما تطالبُ به الأمة من أعمال تثبت وجودها، وتنجح رسالتها، وتعلي رايتها..
وما بقي من (168) ساعة هـو لاستجمام الفرد ومرحه ولهوه...
والدين لم يقاسم المرء ساعات عمره بهذا الحساب، ولم يجعل للعبادات المحضة إلا أويقات محدودة!
ويقدر أي إنسان أن يجعل طعامه ومنامه عبادة بحسن القصد وإرادة الله وابتغاء ما عنده.
ويقدر كل إنسان أن يجعل أي عمل له في البر أو البحر أو الجو طاعة لله بهذه النية الشريفة..!
وعندما فرض الله الصلوات المكتوبة جعل لها أوقاتًا موسعة، وأوقات ضرورة.
ويمكن التنسيق الجميل بين شعائر الله، وسائر الأعمال الأخرى!
الأساس الذي ننطلق منه أن نعرف أنفسنا، أن نعرف أننا أصحاب رسالة سماوية لا تنجح إلا إذا ملكت خيرات الأرض وبركاتها وطوَّعتها لخدمة هـذه الرسالة...!!
لا، إن الإسلام هـو وحده العلاقة الفذَّة بين الله والناس، من بدء الخلق إلى قيام الساعة! ولدينا وحدنا معالم الوحي وكلماته الأخيرة، فإذا فشلنا في تقدير تراثنا، وحشد قوى الكون لإحقاق الحق وإبطال الباطل فلا نلومن إلا أنفسنا..!! [ص : 43]
Admin
Admin
المدير العام
المدير العام
المساهمات : 4143
نقاط : 5608
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 31/01/2021
العمر : 34
الموقع : تونس 2050
https://tn50.yoo7.com

مشكلات في طريق الحياة الإسلامية // محمد الغزالي - صفحة 2 Empty رد: مشكلات في طريق الحياة الإسلامية // محمد الغزالي

الخميس فبراير 04, 2021 12:41 pm
الفصل الثاني في الثقافة والتربية والأخلاق




الدراسات التقليدية عندنا، أو ما يسمى بالتعليم الأصلي في الجزائر ، أو ما أسميه الثقافة الذاتية للأمة الإسلامية، هـذا النوع من المعرفة يذوي ويخف وزنه ويتوارى رجاله!!
إن الثقافة الذاتية شيء، والعلم الذي لا وطن له شيء آخر!
العلم العام كالهندسة والجبر والحساب، والفيزياء والكيمياء والأحياء، والطب والعمارة والفنون العسكرية والمدنية المختلفة، هـذه كلها تنتشر في القارات الخمس، ويتنافس البشر في إجادتها، ويقتربون أو يتحدون في حصيلتها..
وهي - في جملتها وسائل لخدمة الأمم ورسالاتها المتباينة في هـذي الحياة.. أي أنها تنمو وتمتد في حضانة ووصاية الثقافة الذاتية لأية أمة.. [ص : 45]
ذلك أن هـذه الثقافة تصور شخصية الأمة وملامحها الفكرية والنفسية، وتشرح عقائدها التي تنطلق منها، وأهدافها التي تنطلق إليها، وتقاليدها وأخلاقها وشرائعها بدءًا من الأسرة إلى علائقها الدولية.
كما تشرح آدابها ولغتها وخصائص شعرها ونثرها..
وتهتم بالتاريخ لتربط الأجيال اللاحقة بالأجيال السابقة، وتربط الولاء الخاص والعام بالقيم المقررة والشعائر الظاهرة..
Admin
Admin
المدير العام
المدير العام
المساهمات : 4143
نقاط : 5608
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 31/01/2021
العمر : 34
الموقع : تونس 2050
https://tn50.yoo7.com

مشكلات في طريق الحياة الإسلامية // محمد الغزالي - صفحة 2 Empty رد: مشكلات في طريق الحياة الإسلامية // محمد الغزالي

الخميس فبراير 04, 2021 12:42 pm
الثقافة الذاتية




إن هـذه الثقافة الذاتية هـي إكسير الحياة للأمة، والمجدد الدائب لطاقاتها الأدبية والمادية.
ومن هـنا اتجه الاستعمار العالمي إلى ضرب هـذه الثقافة، وتوهين معاهدها، فإما أجهز عليها، وإما شل حراكها وأبقاها صورة هـامدة، أو اسمًا بلا مضمون.
وذلك ما حدث لجامعة القرويين والزيتونة والأزهر والجامعات الإسلامية في ليبيا والسودان وأقطار أخرى..
ونتج عن ذلك أمران خطيران: اضمحلال العقل الإسلامي، وضعف الدراسات الدينية... ثم اضمحلال اللغة العربية وآدابها وانكماشها أمام التقدم الحضاري وقلة المجيدين لها، وكثرة اللاحنين دون أدنى حياء..
ولما كان ساسة العرب وقادتهم من خريجي التعليم المدني ـأكثر من 99% منهم بعيد الذهن عن ثقافتنا الذاتيةـ فإن النهضة الإسلامية تتعثر حينًا وتتقهقر حينًا، وإذا تقدمت خطوة ففي وجه صعوبات دامية.. [ص : 46]
وقد شعرت بالخزي وأنا أسمع هـؤلاء يخطبون! إنهم يتحدثون عادة بلغة الدهماء، وإذا جرت على ألسنتهم كلمات عربية، فإن (بَدْء) تنطق بكسر الباء! و(من ثم) تنطق بضم الثاء! أما قوعد النحو، فحدث ولا حرج عما يعتريها من إهانة!
والأغرب من ذلك أن محطات الإذاعة تنشر دراسة متصلة عن ((الخصائص البلاغية)) لصاحب هـذه الخطابة العامية، ولم يبق إلا أن ننشر بحوثًا أخرى عن مظاهر البديع والبيان والمعاني في بغام الدواب ونقيق الضفادع!!!
ولا أعرف لغة اعتدى على شرفها كما يعتدى هـؤلاء على اللغة العربية المسكينة..!
أما الدين نفسه فحديث مملول، وتذكير بما مات أو بما ينبغي أن يموت، ولكن هـذا الشعور يُغلَّف ببعض عبارات المجاملة أو التوقير المصنوع اتقاء لغضب الجمهور.
فإذا أمن ذلك الغضب في مجتمع ذليل، أو منحلَّ فالدين رجعية، والصلاة مشغلة للوقت.. والصيام معطل للإنتاج..
وهذا كله يقع والعرب في حرب مع اليهود الذين أحيوا لغتهم، ومزقوا عنها الأكفان، وأحيوا صلواتهم، ومشوا لأدائها في عواصم أميركا وباعتزاز وثقة...
Admin
Admin
المدير العام
المدير العام
المساهمات : 4143
نقاط : 5608
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 31/01/2021
العمر : 34
الموقع : تونس 2050
https://tn50.yoo7.com

مشكلات في طريق الحياة الإسلامية // محمد الغزالي - صفحة 2 Empty رد: مشكلات في طريق الحياة الإسلامية // محمد الغزالي

الخميس فبراير 04, 2021 12:43 pm
العلوم الإنسانية وصلتها بالثقافة الذاتية..




لندع هـذا الاستطراد الحزين ولنعد إلى حديث الثقافة الذاتية والعامة لنتساءل: هـل العلوم الإنسانية من النوع الأول أو الأخير؟
والعلوم الإنسانية هـي علم النفس والاجتماع والتربية والأخلاق والاقتصاد [ص : 47] والسياسة والإدارة.. والتاريخ.. إلخ، وقد تنضم إليها بعض الفلسفات الإلهية وغير الإلهية..
وموضوعات هـذه وتلك تتناول صلة الإنسان بنفسه وغيره ودائرتها تتشابك مع الإسلام في مساحات واسعة..
وأرى أن نستفيد من هـذه الدراسات على ضوء من المعرفة الدقيقة بما قال الإسلام في قضاياها المتشعبة.
إن العلوم الإنسانية تكون أحيانًا وصافة لأحوال النفس والمجتمع.
ويتسم عملها في هـذا المجال بالصدق والحياد غالبًا.
وقد تقرر أحكامًا حسنة تتفق مع الفطرة التي هـي صفة الإسلام الأولى.
وقد تشرح وسائل جيدة لأهداف يسعى إليها الدين، ويترك ما يوصل إليها لاجتهادنا العادي.
وإلى جانب ذلك فقد تتضمن أخطاء ونظرات شاردة، وعلى كل حال فالإسلام إذا تكلم فهو أهدى منها سبيلا، وأصدق قيلا..
وقد تناول آباؤنا فلسفة اليونان، ونشاطاتهم العقلية، فمنهم من فتن بها إلى حد الغفلة، ومنهم من ردها جملة وتفصيلا، ومنهم من أخذ ورد، ونظر ونقد...!!
وإني لأعجب من مفكر مسلم يقبل خرافة العقول العشرة التي اختلقها أرسطو ، ومن مفكر آخر يقبل الهراء المذكور عن مدينة أفلاطون الفاضلة، ولا أعرف سبب هـذه الغفلات؟
وقد درسنا جملة من العلوم الإنسانية في شبابنا، ولا نزال نتابع القراءة والمقابلة في قضايا كثيرة..
وإنما دفعني إلى الوصاة باستمرار هـذه الدراسة أمران: [ص : 48]
إنها تعرض الواقع الأدبي والمادي للبشرية كلها، ومعرفة هـذا الواقع مطلوبة.
وإنها قد تتضمن مقترحات لخير الإنسانية أجود من المقترحات التي يعرضها أصحاب التدين المغشوش، أو السطحي للإصلاح العام!
إذ يوجد بين المتدينين للأسف من يعتبر الدساتير بدعة مردودة، لأن ضبط نواقض الوضوء أهم عنده من ضبط العلاقة بين الحاكم والمحكوم..!
Admin
Admin
المدير العام
المدير العام
المساهمات : 4143
نقاط : 5608
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 31/01/2021
العمر : 34
الموقع : تونس 2050
https://tn50.yoo7.com

مشكلات في طريق الحياة الإسلامية // محمد الغزالي - صفحة 2 Empty رد: مشكلات في طريق الحياة الإسلامية // محمد الغزالي

الخميس فبراير 04, 2021 12:44 pm
الحاجة إلى إحياء الثقافة الذاتية




وأشعر في هـذه الأيام بأن الحاجة ماسة إلى إحياء ثقافتنا الذاتية، وتنقية جوها، وتوسيع دائرتها، فإن الاستعمار الثقافي الملحاح نجح في إعطاب شخصيتنا المعنوية، وفتنة ألوف مؤلفة عن عقائدنا، وعباداتنا، وأخلاقنا، كما نجح في بلبلة ألسنتنا، وطيِّ شرائعنا، وتحقير شعائرنا، ودفعنا في المجتمع الدولي بلا صبغة حقيقية وهوية متميزة، وهذا هـو الانهزام التام..!!
إن الرجل عندنا قد ينال أعلى الإجازات العلمية في الطب أو القانون، وقد يعين في أعلى المناصب بأوربا وأميركا ، لكن صلته بدينه صفر، وعلاقته بجنسه هـواء، على حين يكون زميله اليهودي كالإعصار في خدمة الصهيونية، وزميله النصراني أسرع من البرق في خدمة الاستعمار! فهل هـذا المسلم البارد الشعور، أو المرتد القلب يجدي على أمته شيئًا؟ إنه كالجندي المرتزق بسلاحه يخدم أي مبدأ على ملء بطنه وإيثار عاجلته..
وانتشار التعليم المدني في بلادنا على أساس تجريده من ثقافتنا الذاتية، وانتمائنا المحدد شيء يضر ولا يسر، ويقلق ولا يطمئن.. [ص : 49]
وعندما نعود إلى قواعدنا الروحية والفكرية لا بد من تجنب محظورات كثيرة..
العقائد عندنا أقل كمًّا وكيفًا من الكتب التي تعرضها، ومجادلات الفراغ التي حفَّتْ بها والتي شعَّبت قضاياها دونما سبب.. وهي تستفاد من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم في وقت قليل، والمهم أن تتشبث بالقلب، وتتحول إلى قوة دافعة، ونور يضيء الطريق..
العبادات وعلومها ليست بحرًا طامًّا لا ساحل له.. إنها في ديننا سهلة الفهم والأداء! ويوجد ناس يحبون أن يشرحوا الطهارة للصلاة في شهر من الزمان (!) إن هـذا المسلك ضرب من البطالة المقنّعة، وقد شاع في عصور شتى اعتبار الكلام في الإسلام هـو العمل الأول والأخير به... وما كان سلفنا العظيم كذلك قط، كان يتعلم دينه في ساعات قلائل، ثم يشق ميادين الحياة به مستبطنًا روحه، منطلقًا إلى أهدافه في جد وصدق..
نعم قد يوجد متخصصون في دراسات معينة، وللتخصص رجالاته ومطالبه، كأي ميدان علمي آخر.
بناء الأفراد على الأخلاق الفاضلة، وبناء المجتمعات على التقاليد الشريفة ركن ركين في دين الله، والتربية كالزراعة والصناعة عمل يحتاج إلى جهد طويل، وتشترك فيه عناصر كثيرة، وليس كلامًا مرسلا، أو خطابة حماسية..
كيف نخلِّص النفوس من الحرص والحقد والكبر والرياء؟
كيف ننشئ ناسًا يحبون الإتقان، ويعشقون الجمال والإجادة، ويرفضون الخلل والفوضى؟
في أمة يكره دينها الأمرَ الفُرُطَ، لماذا ينتشر التسيُّب في إداراتها؟ وفي أمة يُبْنى فقهها على النظافة لماذا تنتشر القمامة والوساخة؟ [ص : 50]
إن تقاليد الرياء تقتل الرجال والنساء في أكلهم وشربهم ولباسهم وزواجهم وأحوالهم كلها، أين السهولة والإخلاص والبساطة، وديننا أساسه الفطرة؟
أحيانًا أنظر إلى حضارة الغرب فأجدها - على ما بها - أقرب إلى فطرة الله من ضروب التكلف والتزوير التي نمارسها بالليل والنهار.. فنغضب ربنا ونشقي أنفسنا!
ما أفدح الثمن الذي تدفعه أمتنا للحفاظ على تقاليد ما أنزل الله بها من سلطان، وعلى تزويق الظاهر مع خواء الباطن!!
Admin
Admin
المدير العام
المدير العام
المساهمات : 4143
نقاط : 5608
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 31/01/2021
العمر : 34
الموقع : تونس 2050
https://tn50.yoo7.com

مشكلات في طريق الحياة الإسلامية // محمد الغزالي - صفحة 2 Empty رد: مشكلات في طريق الحياة الإسلامية // محمد الغزالي

الخميس فبراير 04, 2021 12:45 pm
التربية المنشودة..




إن التربية المنشودة ليست شيئًا سهلا، إنها معاناة وجهد يقوم بهما المربِّي والمربَّى معًا وتشترك في تحقيق النتيجة عناصر أخرى، في مقدمتها: البيت والبيئة والسلطة الحاكمة، كما يشترك الماء والشعاع، والحر أو البرد في إنضاح الثمار...
وعظة المنبر، ونصيحة المدرس وحدهما لا تصنعان الناشئ، وإن كان لهما أثرهما.
إن علم المنطق، كما عرفوه، آلة قانونية تعصم الذهن عن الخطأ في الفكر، ومع ذلك فهذا العلم لا يصنع مفكرًا.
وعلم العروض والقوافي قد يحصي بحور القصائد، ويكشف ما في التفاعيل من خبن وقبض، وهيهات أن يصنع شاعرًا.
وقد ألفنا أن نتلقى الدين كلامًا أو رسومًا، بيد أن هـذا التلقي لا يصنع زكاة الأنفس، ولن تفلح نفس فقدت هـذه الزكاة، ولن يفلح امرؤ إذا تحرك عقله [ص : 51] تحركت معه قيود الخرافة أو الأوهام التي نسجها الخيال..!!
والعناصر المؤثرة في التربية لا بد من تجانسها وتناسقها، أي: لا بد أن ينتظمها ولاء واحد، وأن تتدافع إلى هـدف واحد، فإذا كان البيت مسلمًا ملتزمًا لتعاليم الدين فإن عمله سيبطل أو يضعف إذا كانت الحكومة علمانية والمدرسة مدنية..
والخلل الذي نلاحظه على المسلمين المعاصرين يعود كفل ضخم منه على هـذا التقطع والتضاد في وسائل التوجيه، فإن الاستعمار العالمي استمات في إقامة أجهزة اجتماعية واقتصادية وسياسية تضرب التربية الإسلامية بخبث وقساوة، فما ينجو إلا من عصم الله..
وأكره أن أحمِّل الاستعمار كل هـزائمنا المادية والأدبية، وأن أفرَّ من تبعات التقصير الذي عرقل خطاي من قديم، إننا نحن المسلمين عُنينا بجانب من الأخلاق وأهملنا جوانب ذات بال، وظننا أن هـذا الإهمال يغفر أو يجبر بالانتماء إلى عقيدة ما، والمداومة على عبادة ما..!!
أخذنا من الأخلاق جوانبها القريبة، فقد نفهم الأمانة على أنها الوديعة ونرد ما استودعنا الآخرون إياه، أما أن المنصب أمانة لا يجوز استغلالها لمأرب خاص، ولا يجوز الإخلال بأعبائه الجسام فهذا شأن آخر.
ويغلب أن يكون طلب المنصب للاستغناء والاستعلاء، والبحث عن الذات لا البحث عن مصالح الأمة..
والصدق خلق معروف، ويغلب أن نصدق في القول لا في العمل، لأن الصدق في العمل صعب، إنه إحقاق الحق وإبطال الباطل، والتزام السنن التي قامت عليها السموات والأرض.
وقد يتقاضانا هـذا أن ننتخب الأصلح، ولو كان من غير قرابتنا، وأن نؤثر [ص : 52] بالوظيفة فقيرًا ونطرح غنيًّا، وليس يقدر على هـذا إلا... الرجال..
وحب النفس من طباع البشر، فإلى أي مدى يهيمن هـذا الطبع على مسالكنا؟ إن السيارة تقدم، فيسبق الرجل المرأة، ويتخطى الكبير الصغير، ويتحرك هـذا الشعور الهابط في عشرات المعاملات! الكل يقول: نفسي نفسي! فهل هـذا السلوك هـو التفسير المنتظر لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لن يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه ) ؟.
هل وضعنا تنفيذًا عمليًّا يكفكف شرور هـذه الأنانية الصغيرة، ويواري هـذا الإحساس الحيواني في دماء الناس؟
إن الله كتب الإحسان على كل شيء، ونكاد نحن نكون قد قررنا التقصير في كل شيء!
وقد بحثت عن السبب وراء هـذا الخراب النفسي، وهديت إلى شيء قد يكون الحق، أو بعض الحق، إن المغالاة في تقدير الجانب الغيبي من الدين تتم على حساب الجانب العملي أو الواقعي، وهذا خطأ!
رأيت تاجرًا يبيع السلعة لأحد الناس بأغلى من سعرها، فقلت له: لم تغبن هـذا المشتري وهو مسترسل معك؟ قال: ألا تعرفه، إنه فلان الذي ينكر كرامات الأولياء! قلت: ينكرها أو يقرها، يجب أن تعامله بشرف! قال: هـذا قليل الدين و.... قلت له: ليكن يهوديًّا أو نصرانيًّا فاستغلاله لا يجوز، والخداع حرام مع المؤمن والكافر..!! أتظن إيمانك بالكرامات مسقطًا لفضائل الأخلاق..
ولاحظت أن شابًّا يتكلم بحقد عن أحد الدعاة، قلت: ما تنقم منه؟ قال: ما يعرف السنة، ألا ترى إسباله لثوبه؟ وما يحسن الصلاة! يقعد وقدماه على هـيئة كذا!! قلت: تكره مسلمًا وتتمنى له الشر لهذه الصغائر؟ إن [ص : 53] تضخيم هـذه الأمور دليل مرض نفسي، ومعصية قلبك أبعد عن المغفرة من اضطراب مظهره، ولعله أقرب إلى الله منك..!!
وعلى هـذا النحو ترى رجلا يتبع مذهبًا في العقيدة، أو في فقه الفروع، فيحسب أن اهتداءه إلى هـذا المعنى، أو إلى هـذا المسلك، قد جمع له المجد من أطرافه، فلا حرج عليه أن يتصرف كيف يشاء، وكأنما قال الله له: افعل ما شئت فقد غفرت لك!!
ومن هـنا استهان كثير من الذاكرين، أو الدارسين لبعض السنن، بمعاقد الأخلاق وقواعد الآداب، كما استهانوا بشئون الحياة، وضبط مجراها وامتلاك زمامها، فكانوا نكبة على الدين والدنيا معًا، ولقي الإسلام على أيديهم هـزائم نكراء!!
والأمراض الخلقية التي تصاب الأمم بها، مع انتشاء الفساد السياسي كثيرة، وهي تختلف من عصر إلى عصر، ولسنا بصدد إحصائها، وإنما نتساءل فقط: ماذا يعنيه تزوير الانتخابات في قطر ما؟؟
إن هـذا التزوير يحدث دمارًا أخلاقيًّا أوسع من الدمار المادي الذي يحدثه أي زلزال رهيب! جيش من الرجال ذوي المناصب الكبرى والصغرى يتحول إلى خلية نحل في مصنع للأكاذيب واسع الدائرة، هـادر الآلات، يعاون بعضه بعضًا في اختلاق الآراء وتسجيلها، وتصعيدها وترحيلها من بلد إلى بلد، ثم تلتقي آخر الأمر كما تلتقي شبكة المجاري القذرة لتخبر العالم كله أن فلانًا أحرز من أصوات الناخبين كذا وكذا... ونجح نجاحًا كاسحًا...!!
وعندما يمسي الناس ويصبحون على هـذا التكاذب المفضوح، أيكون الصدق عملة رائجة أم مزجاة؟ أتستقر في المجتمع تقاليد الشرف أم تقاليد اللصوصية؟ أيتقدم أهل الأدب والتقوى أم يهال عليهم التراب؟ [ص : 54]
إن دعائم التربية تحتاج إلى حراسة مشددة بعد أن يتم استنقاذها من هـذا البلاء المبين..!
وعرض ثقافتنا الذاتية على الناس في هـذه الأيام ينبغي أن يصحبه ما اكتنفها على مرّ العصور.. ونحن نذكر على عجل أن المسلمين في العصر النبوي، ثم في عصر الخلافة الراشدة، لم تكن لديهم هـذه البحوث المطولة في أصول الدين وفروعه، كانت آيات أو سور من القرآن الكريم، وجملة من الأحاديث الصحيحة هـي كل ما يعرفون - حاشا المتخصصين وأهل الفتوى - وكان فقه العبادات يتناقل بالأسلوب العملي.. ثم يتوجه الجمهور بعد ذلك إلى الكدح والجهاد وإعلاء كلمة الله!!
ثم استفاضت الدراسات الدينية، وكثرت البحوث في كل ميدان.. ترى هـل هـذه السعة للتحلي والتسلي أم لمزيد من الخشية والتقى..؟
المقرر عندنا أن المرء مسئول عن علمه ماذا عمل به؟
والذي رأيته وأنا أعمل في ميدان الدعوة من أربعين سنة أو يزيد، أن أكثر هـذه المعارف فضول، وأن الناس يقبلون عليها تزجية للفراغ، ومدافعة للبطالة.. وأن عشر ما يعلمون يكفيهم في فقه الإسلام كله، ويبقى عليهم بعد ذلك أن ينصرفوا إلى العمل المثمر.
والقرن الرابع عشر ينتهي، ثم يجيء القرن الخامس عشر، ومشكلات الأمة الإسلامية تتعقد وتتضاعف..


والليالي من الزمان حبالى
مثقلات يلدن كل عجيبة!




الأعداء تنمو أطماعهم، وتربو ضغائنهم، وتتقارب مسافة الخلف بينهم، والتخلف الحضاري عندنا يثير الأسى، ومع ذلك كله فإن بعض حملة العلم الديني يَسْتَحيي من الآراء المدفونة ما يثير الغثيان! [ص : 55]
وبدلا من أن يُوجِّه شباب القرن الجديد إلى العمل المناسب لخدمة دينهم، يديرهم في حلقة مفرغة من القضايا التي أوجدها الفراغ أيام الفراغ..
قلت لواحد من هـؤلاء: إن الفكر الديني سمن ونما له كرش من هـذه القضايا، وما تعود له صحته إلا إذا ذهبت هـذه السمنة، واختفى هـذا الكرش، واشتغل المسلمون بعلوم الحياة التي ينصفون بها دينهم المُحْرَج، ويردون بها أعداء متوقحين..
وهنا نتكلم عن الثقافة الأخرى المقابلة لثقافتنا التقليدية، أو العلم الذي لا وطن له كما يقال!
لقد فكرت يومًا في ((المطبعة ومخترعها)) ووددت لو أن هـذا المخترع النابه رجل مسلم عربي أو غير عربي، فإن المعروف لدينا أن أول كلمة في وحي الله لنبينا ((اقرأ)) لكن هـذا الجهاز بدأ ساذجًا في الصين ، ثم تحسن كثيرًا في ألمانيا ، وبلغ حدًّا من الكمال في هـذه الأيام بعيدًا عن أرض الإسلام!!
تساءلت: لماذا؟
إن هـذا الاختراع وغيره ولد ونما بعيدًا عن مجتمعاتنا، فهل نحن بشر دون البشر؟
وسمعت صحافيًّا يقول عن خبرة: إن الصحراء الغربية مليئة بالنفط.
فقلت: لماذا لا يستخرج؟ قال: إن الشركات الأجنبية ترجئ ذلك إلى حينه!
قلت: وما دخل الشركات الأجنبية؟ قال: هـي التي تملك أدوات التنقيب، وتتعرف بأجهزتها على الأماكن الحافلة بالمادة الثمينة!! وهمست إلى نفسي ونحن لا نعرف الأماكن، ولا نملك الأدوات، لماذا؟ [ص : 56]
ويجب أن نعرف الإجابة على هـذه الأسئلة! إننا لسنا فوق المساءلة! إن المسلمين الآن خمس العالم أو ربعه، ولهم دينهم ودعاواهم وآمالهم! لقد كان المفروض أن يكونوا للعالم مرشدين، فماذا أزرى بهم؟ وكان مفروضًا أن تكون يدهم العليا بالعطاء الأدبي والمادي فماذا عراهم؟
هل لدينهم أثر في هـذا العجز؟ والجواب السريع: كلا كلا، فما يوجد كتاب ينتمي إلى السماء فيه تنشيط للعقل، وإطلاق للمواهب كالقرآن الكريم! وماذا بعْد أن يقال للناس إن الله سخر لكم الكون كله، سماءه وأرضه، فاهبطوا واصعدوا وسيحوا وقرُّوا كيف تشاءون ( أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً .. ) !! (لقمان: 20).
هل المسلمون دون البشر، ففي بصرهم قصر، وفي فكرهم ضحالة، وفي هـممهم بلادة؟؟ كلا كلا، فقد سادوا العالم كله أعصارًا، ودخلوا في عراك فناء أو بقاء مع أعتى أمم الأرض، وخرجوا من ميادين الوغى منتصرين بعد جلاد وحشي!!
إذن ما السبب فيما عرا العقل الإنساني - بعد - من خمول - وما أصاب جماهير المسلمين من كلال سلَّط عليهم ذئاب الأرض تنهشهم من كل جانب، ذئاب الأرض؟ لا بل ذبابها.!؟
إن يهوديًّا من (( لوس أنجلوس )) بالولايات المتحدة جاء إلى فلسطين يطلق الرصاص على أهل ((الخليل)) يريد استخراجهم من مساكنهم واحتياز الأرض لنفسه!
إن البغاث بأرضنا يستنسر!! [ص : 57]
Admin
Admin
المدير العام
المدير العام
المساهمات : 4143
نقاط : 5608
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 31/01/2021
العمر : 34
الموقع : تونس 2050
https://tn50.yoo7.com

مشكلات في طريق الحياة الإسلامية // محمد الغزالي - صفحة 2 Empty رد: مشكلات في طريق الحياة الإسلامية // محمد الغزالي

الخميس فبراير 04, 2021 12:46 pm
أصبع الاتهام..




وأقول في إيجاز وصراحة: إن أصابع الاتهام تشير إلى صنفين من الحكام والعلماء جرُّوا على أمتنا هـذا التخلف المهين خلال قرون متطاولة، وكانوا السبب في الأمراض التي أقعدتها في وقت انطلق فيه أهل الأرض ينسفون العقبات، فلم يكفهم أن بلغوا السحاب حتى غزوا الفضاء، ولم يكفهم أن بنوا الجواري في البحر كالأعلام حتى غاصوا في أجواف البحار يحملون معهم ((الرءوس النووية)) ذات الدمار الشامل.
في رأيي أن الاستبداد السياسي من أول أسباب الشلل الفكري عند المسلمين، إنه ليس هـينًا أن يسير الإنسان في الطريق خائفًا يترقب، فقد تهوي عصا على أم رأسه تودي بحياته، أو تناله صفعة على قفاه تودي بكرامته، أو يؤخذ بتلابيبه فيرمى في السجن لا يدري شيئًا عن أهله وولده!!
إن الحاجة إلى الاستقرار النفسي كالحاجة إلى القوت، وكان الخليل إبراهيم بقدر حقوق الإنسان الأدبية والمادية معًا عندما جأر - قبيل إنشاء مكة - ( رَبِّ اجْعَلْ هـذا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ ) (البقرة: 126).
والجندي المأمور بضرب الناس لا يبالي أن يسحق تحت حذائه أكبر مُخٍّ في العالمين، لأنه لا يميز بين مخ ومخ، ولا يدري إلا أنه مكلف بالضرب، إنه آلة بشرية في يد جبار..
وعندما يصف القرآن الكريم سياسة الفراعنة يسلك الآمر والمأمور في نظام واحد ( إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ ) (القصص: Cool.
وقد يضفي على الجميع الطابع العسكري القاسي ( هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ ) [ص : 58] ( فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ * بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي تَكْذِيبٍ * وَاللَّهُ مِنْ وَرَائِهِمْ مُحِيطٌ ) (البروج: 17،18،19،20). والمستبد لا يرى إلا نفسه، ولا يبصر إلا مصلحته، ولا يقرِّب منه إلا من يتملقه ويترضاه، وأذكر أنه في بقعة ما من أرض مصر - لا أقدر على تحديدها - ركب وزير مع رئيسه، الذي كان يقود سيارته للتسلية، فاصطدمت السيارة بشجرة على جانب الطريق، ونزل الوزير مسرعًا ليقول لسيده: إن قيادتك للسيارة صحيحة ولكن الشجرة كانت تقف خطأ..!!
في هـذا الجو الكالح من الزلفى والاستعلاء تموت المواهب النفسية، فإذا انضم إلى الاستبداد الأعمى تضييق في الرزق، وأضحى المال عطاء يمرّ من بين أصابع الفرد الحاكم، فهو يقبض ويبسط، فعفاء على الأخلاق والذمم..
عندما كنت أقرأ قصة اختراع الآلة البخارية كنت أرى الشاب الانكليزي يتابع ببصره رفع البخار لغطاء الآنية، ويفكر بأناة في استغلال هـذه القوة لمصلحة البشر، كان مطمئن البال وهو يتأمل ويستنتج، إن أحدًا لن يجرَّه إلى دار العمدة ليضرب مائة سوط على تصرفه، إنه لن يقف أمام ضابط يقول له: فكر فيما ينفعك ((يا روح أمك)) كما يجري على كثير من الألسنة في الشرق الإسلامي (!) كانت الكرامة الأدبية والمادية قد تقررت للجماهير في بلده بثمن رهيب، دفعه ملك انجلترا من رأسه..!!
ولا أستطيع التوسع في هـذا البحث، وحبذا لو تولت لجنة جامعية استقصاء آثار الحكم الفردي على الفكر الإسلامي في شتى العصور..
أما دور المتحدثين في الدين الذين وقفوا النشاط العلمي، فيظهر أولا في البحوث الكلامية الغيبية، والفروع الفقهية الوهمية، والكراسات التي حفلت بحشو لا آخر له، ثم عدَّت ذلك كله هـو العلم الذي لا علم معه. [ص : 59]
وبذلك قطعت الطريق على طب ابن سينا، وكيمياء جابر ، وبصريات ابن الهيثم ، ولوغاريتمات الخوارزمي ، بل إن معرفة التقدم العلمي عند العرب لا تجد مراجعه إلا في مكتبات الغرب، وعند المنصفين من المؤلفين الأوربيين!
أما جهود آبائنا في علوم الكون والحياة والطب والفنون الحربية فهي أقل من أن تذكر أو يؤرخ لها..!!
إن الجهاز العصبيَّ للإنسان يضنيه ما اخترعه الغلاة والمخرفون من عبادات وأوراد، ولا يبقى له وقت يستجُّم فيه، ويعكف بعده على التأمل والاختراع..
عندما يكلَّف مسلم - بعد ما ورد من أذكار اليوم والليلة - أن يقول: يا لطيف عشرة آلاف مرة، فماذا يبقى له من فكر يكتشف به المجهول أو يخترع شيئًا..؟
لو استراح في نومه، وقام يتدرب على عمل عسكري في البر أو البحر أو الجو، لكان ذلك أجدى عليه وعلى الإسلام، إن ربنا تبارك اسمه أعفى المجاهدين من قيام الليل حتى يوفر لهم القدرة على جهاد النهار، وكذلك أعفى التجار حتى يتفوقوا في الميدان الاقتصادي، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من قرأ بالآيتين من آخر سورة البقرة كفتاه.. ) .
لكن الفكر العام عند جمهور المسلمين أن علوم الكون والحياة نافلة، ونحن نستميت في تفهيم الشباب الآن أن كلمة التوحيد مهددة ما لم نبرع في هـذه العلوم..!!
وقد رأيت أحد طلاب الطب يقتني أسفارًا ضخمة في الفقه والحديث فأشحت عنها قائلًا:
أولى بك أن تقتني هـذه الأسفار الضخام في المعرفة التي تخصصت لها، [ص : 60] لماذا لا تنافسون أطباء (( لندن )) و(( باريس )) في رسوخهم وشموخهم بالمزيد من الاطلاع والتعمّق؟
وذكرت أن طبيبًا شابًّا من أصدقائي كان يتحدث مع أستاذ له في ((الخلية)) فإذا الأستاذ يمد يده إلى رفٍّ قريب ويتناول مجلدًا كبيرًا ويناوله الطبيب الدارس، وإذا المجلد كله عن ((الخلية)) الحية وما أودع الله فيها من أسرار...
إن ألوفًا مؤلفة من الكتب العلمية تساند الحضارة الحديثة، وتضمن لها هـيمنة على شئون الدنيا في كل ناحية من نواحي الحياة، والقوم يدرسون بعشق هـذه المواد كلها في الوقت الذي أجد فيه طالبًا جامعيًّا في إحدى الكليات العملية مشغولا بالرد على الجهمية !! [ص : 61]
Admin
Admin
المدير العام
المدير العام
المساهمات : 4143
نقاط : 5608
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 31/01/2021
العمر : 34
الموقع : تونس 2050
https://tn50.yoo7.com

مشكلات في طريق الحياة الإسلامية // محمد الغزالي - صفحة 2 Empty رد: مشكلات في طريق الحياة الإسلامية // محمد الغزالي

الخميس فبراير 04, 2021 12:46 pm
الفصل الثالث: كلام في الإسلام




قلت لأحد الناس: تعرف فلانًا؟ فإن لي صديقًا يحب الاتصال به؟ ولعله يريد أن يصاهره، أو يشاركه في تجارة كبيرة!
قال: أعرفه معرفة حسنة، إنه متوسط العمر، قصير القامة أسمر الملامح!
قلت: ثم ماذا.
قال:
له رباط عنق جميل! وحذاؤه لامع! وعندما يتحرك... فأسرعت أنا بإكمال الوصف، فقلت في سخرية: [ص : 63]
عندما يتحرك يكون مرح الأعطاف حلو اللفتات!!
قال:
ما تعني بهذا الهزء؟
قلت:
السخرية منك! أهذا وصف تقدمه لإنسان؟ إنك تشبه بعض المتحدثين عن الإسلام في هـذا العصر الأنكد! إنهم يعرفون الناس به فلا يزيدونهم إلا جهلا، وربما صدُّوهم عنه.. يجعلونه كائنًا، محلوق الشارب، مكشر الأنياب، مكحول العينين، كميش الثياب.. إلخ.
التعريف يتجه إلى الحقائق الذاتية والعناصر المهمة.. إن ديننا مجهول عند الكثيرين، الناس يريدون وصفًا للعقل الإسلامي، والضمير الإسلامي، والخلق الإسلامي، والحكم الإسلامي... يريدون أن يعرفوا الأسرة كما يبنيها الإسلام، والدنيا كما ينشدها الإسلام، وموازين العدالة كما ينصبها الإسلام..
إنني أعتقد أن انتشار الكفر في العالم يقع نصف أوزاره على متدينين بَغَّضُوا الله إلى خلقه بسوء كلامهم أو سوء صنيعهم!
وما أرتاب في أن الشيوعية ما راجت في أوربا وغير أوربا إلا لأن الأحبار والرهبان أيأسوا الكادحين من عدالة السماء، وسدُّوا في وجوههم أبواب الرحمة، فاتجهوا إلى السراب يحسبونه العباب..
واليوم يقوم ناس من المسلمين بدور الكهان القدامى، فيصورون الإسلام دينًا دموي المزاج، شرس المسلك، يؤخر اللطف، ويقدم العنف، ويهتم بقص الأظافر والأشعار، أكثر مما يهتم بقصِّ زوائد الأنانية وغمط الناس!!.. [ص : 64]
والصورة التي تقدَّم - عالميًّا - لدار الإسلام أنها الدار التي ينتهب فيها المال العام، ويسودها حكم الفرد، وتهان فيها كرامة المرأة، بل تضيع حقوقها..
وأن شوارعها ملأى بالقمامة، ومدنها وقراها مظهر التخلف المادي والأدبي، وأن الفوضى والقطع هـما الرباط الذي يسود الجماهير..
وأن المصلحين الدينيين لا جؤار لهم إلا بحرب التصوير والغناء والسفور والتلفاز، وأن العودة إلى الإسلام كما يطلبها الشباب لا تعني إلا العودة إلى الهمجية الأولى..!! ومعنى ذلك كله أن الحضارة الإنسانية في خطر..!!
هل تسرُّنا هـذه الصورة الكئيبة التي ترسم لنا؟
إن أعداءنا يكذبون علينا، بيد أننا نشجعهم على الكذب حين يضطرب فقهنا لديننا، ويضطرب عملنا له، وتكون حياتنا الخاصة والعامة بعيدة عن جوهر الدين وغاياته العظيمة..
ذكر لي صديق ثقة أن رجلا أمريكيًّا دخل الإسلام بعد دراسة متعمقة، ثم قادته الأيام إلى بلاد الإسلام في عمل ما، وعاد الرجل مذعورًا يقول: الحمد لله الذي عرفني الإسلام قبل أن أرى المسلمين..!
إنه توجد ردة جزئية في بعض بلاد الإسلام، وفي بعض آخر تقصير مكشوف، كما يوجد جهل فاضح في أرجاء كثيرة..
وهناك نهضة مخلصة ينقصها الفقه والتجربة، ونهضات صادقة يخونها الرسميون من علماء الدين أو يتثاقلون في نصرتها.
وهناك نفر من الحكام يحبون الإسلام حبًّا جمًّا، ولا يدرون كيف يخدمونه وهناك حكام عالنوا بتأييدهم للعلمانية ، ولسياسة المرتد التركي مصطفى كمال..! [ص : 65]
Admin
Admin
المدير العام
المدير العام
المساهمات : 4143
نقاط : 5608
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 31/01/2021
العمر : 34
الموقع : تونس 2050
https://tn50.yoo7.com

مشكلات في طريق الحياة الإسلامية // محمد الغزالي - صفحة 2 Empty رد: مشكلات في طريق الحياة الإسلامية // محمد الغزالي

الخميس فبراير 04, 2021 12:47 pm
جملة حقائق..




ونريد أن نثبت هـنا جملة من الحقائق لا ينبغي أن تغيب عن الأذهان..
إنني أؤيد رأي ابن خلدون في العرب لا بل إن وقائع الدهور هـي التي أمست تؤكد هـذا الرأي! الرجل يرى أن العرب يستحيل أن يقوم لهم ملك إلا على أساس نبوّة، أو أن تقوم لهم دولة إلا على أساس دين!!
الجنس العربي جنس له غرائزه الحادَّة، ومشاعره الجياشة, وخياله الواسع، وخصائصه العقلية الحسنة، وهذه السمات إذا لم تضبطها كوابح ((فرامل)) حديدية هـوت بصاحبها في عرض الطريق! وإذا واتتها هـذه الضوابط وراء نهضة دينية جيدة، حلقت بها في الأوج..
وشواهد ذلك واضحة في التاريخ العربي المديد.
Admin
Admin
المدير العام
المدير العام
المساهمات : 4143
نقاط : 5608
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 31/01/2021
العمر : 34
الموقع : تونس 2050
https://tn50.yoo7.com

مشكلات في طريق الحياة الإسلامية // محمد الغزالي - صفحة 2 Empty رد: مشكلات في طريق الحياة الإسلامية // محمد الغزالي

الخميس فبراير 04, 2021 12:48 pm
في التاريخ القديم..




كان للعرب وجود في الأعصار القديمة، عاد في الأحقاف جنوبي الجزيرة، وثمود في الحجر شمالي الحجاز، ومدين شرقي سيناء، وقرى المؤتفكة في الأردن، لكن هـذا الوجود عدت عليه عوادي الفناء بسبب أخلاق الترف، والجبروت، والشذوذ، والتظالم..
وقد حكى القرآن الكريم قصص الأنبياء العرب في أممهم، وما لاقاه هـود وصالح وشعيب ولوط من صدود وغطرسة! فقضى فيهم الحق قضاءه واخترمتهم العقوبات التي حلت بسائر المجرمين. [ص : 66]
( فَكُلا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ) (العنكبوت: 40).
حتى أهل مكة، لما بغت فيهم طسم وجديس أحيط بهم، وأصبحوا أحاديث ملعونة، فقال قائلهم:


كأن لم يكن بين الحجون إلى الصفا
أنيس ولم يسمر بمكة سامر
بلى نحن كنا أهلها فأزالنا!
صروف الليالي والجدود العواثر




وليس للحظ العاثر دخل في حرب الإبادة التي شنتها الأقدار على أولئك العرب الفجار! إن العرب البائدة تمردت على الله فأذاقها بأسه!.
( ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلا الْكَفُورَ ) (سبأ: 17).
وما بقي من هـذه الأجيال بقي ليروي لنا ما يعتبر به أولو الأبصار..
الرجوع الى أعلى الصفحة
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى