منتديات تونس 2050
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
أفضل 10 أعضاء في هذا الأسبوع
لا يوجد مستخدم
المواضيع الأخيرة
صحيفة الشرق الأوسط السبت مايو 22, 2021 6:39 amAdmin
صحيفة القدس العربي السبت مايو 22, 2021 6:37 amAdmin
صحيفة العرب اللندنية السبت مايو 22, 2021 6:35 amAdmin
صحيفة العربي الجديد السبت مايو 22, 2021 6:33 amAdmin
مجلة التسلية والترفيهالخميس مايو 06, 2021 11:34 amAdmin
سلسلة رمضان يجمعناالثلاثاء أبريل 27, 2021 10:19 pmAdmin
Salam | سلامالثلاثاء أبريل 27, 2021 10:10 pmAdmin
بحـث
نتائج البحث
بحث متقدم

اذهب الى الأسفل
Admin
Admin
المدير العام
المدير العام
المساهمات : 4143
نقاط : 5608
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 31/01/2021
العمر : 34
الموقع : تونس 2050
https://tn50.yoo7.com

مشكلات في طريق الحياة الإسلامية // محمد الغزالي - صفحة 4 Empty مشكلات في طريق الحياة الإسلامية // محمد الغزالي

الخميس فبراير 04, 2021 8:38 am
تذكير بمساهمة فاتح الموضوع :

مشكلات في طريق الحياة الإسلامية // محمد الغزالي


تقديم بقلم: عمر عبيد حسنة


إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هـادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
وبعد: فهذا كتاب (الأمة) الأول وهو باكورة أعمالها، في مجال المساهمة في تحقيق الوعي الثقافي الإسلامي، الذي عزمت على المضي به اليوم، وتخليصه من النظرات الجزئية المتناثرة، وعجزه عن مواجهة مشكلاته، وتحدياته الداخلية منها والخارجية، على ضوء رؤية إسلامية ذات دراية وفقه، بعيدًا عن المواقف والتصرفات الانفعالية الخطابية غير المتوازنة التي لا تخرج عن كونها ومضات آنية تحرك العاطفة ولا تهدي العقل، ومن ثم تتركها لعبث الأهواء وتقاذف الأمواج. [ص : 7]
لا بد من إعادة ترتيب للعقل الإسلامي المعاصر، حتى يتمكن من تحقيق النظرة الكلية للأشياء، والقدرة على تصنيف المشكلات، ووضع سلم منضبط لقضية الأولويات، وتوفر الجهود والطاقات، وتوجهها إلى المجالات المجدية من خلال الصورة العالمية بكل تعقيداتها وتشابكها، وتطوير وسائل الدعوة إلى الله بما تقتضيه الحال، واختبار الأسلحة القديمة، لأن بعضها أصبح يتحرك في الفراغ، يصول ويجول في معارك وهمية انتهت بأصحابها وأسلحتها وقد تغيرت الحال..
لقد تبدلت مشكلات العالم، وتبدلت أسلحته، ونحن ما زلنا نصرُّ على مواجهة المشكلات الجديدة، والدخول في المعارك الجديدة بالأسلحة والوسائل القديمة، التي أقل ما يقال فيها: إنما وجدت لغير هـذه المعارك وغير هـذه المشكلات.
وما زالت تلك الوسائل تُسْلِمنا من هـزيمة إلى أخرى، على مختلف الأصعدة، ولولا بعض الحصون القديمة التي بُنِيَتْ لنا نلوذ بها ونحتمي فيها لأصبحنا أثرًا بعد عين.
لا بد من انتهاء أحلام اليقظة في حياتنا، والتي ما زالت تسيطر على قطاعات كبيرة من عالم المسلمين اليوم، والوصول إلى اليقظة غير الحالمة، بكل مقوماتها، ونستطيع أن نقول إلى حدٍّ بعيد: إن الجيل المسلم اليوم أَحْسَن الدخول في سن التمييز، لكنه إلى الآن لم يحسن الخروم منه، والانتقال إلى مرحلة الرشد التي تلي مرحلة التمييز، لقد كان عطاء سن التمييز طيبًا، حقق لنا الاعتزاز بهذا الدين، والاستعلاء به والثقة بقدرته، بعد أن كادت تغتالنا مذاهب الشياطين، لكن هـذا الإيمان يقتضي حركة منضبطة مع مبادئ الإسلام، يقتضي سلوكًا رشيدًا يأخذ [ص : 8] باعتباره كل الظروف المحيطة إلى جانب الوسائل المتاحة، وليست الاستراتيجية في حقيقتها إلا القدرة على التصرف بالإمكانيات المتاحة من خلال الظروف المحيطة، ولا تخرج الحكمة التي أُمِرْنا أن ندعو إلى الله بها - بقوله:
( ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هـي أَحْسَنُ إِنَّ رَبِّكَ هـو أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ) (النحل: 125).
... عن حسن التقدير وحسن الأداء، والقراءة الصحيحة للظروف والتعامل معها، إنها وضع الأمور بمواضعها، ووزن الأشياء بموازينها، ( يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلا أُولُو الأَلْبَابِ ) (البقرة: 269).
والرسول القدوة خاطب الناس على قدر عقولهم، وعُرِّفت البلاغة: بأنها مطابقة الكلام لمقتضى الحال.
والشيخ محمد الغزالي الذي استجاب مشكورًا للمساهمة معنا، ولتقديم كتاب ((الأمة)) الأول، غني عن التعريف، فهو يعتبر بحق أحد شيوخ الدعوة الإسلامية الحديثة وفقهائها، يحمل تاريخ نصف قرن أو يزيد من العمل الإسلامي، وهو أحد معالم الحركة الإسلامية الحديثة ورموزها، رافق نشوء الحركة الإسلامية الحديثة في مصر، كما أنه شارك في رسم سياستها، وكان على مدى هـذه الأعوام الطوال: العقل المفكر، والقلم المسطر، واللسان الناطق، حتى ليمكننا القول: بأن مؤلفاته التي تشكل [ص : 9] بمجموعها جانبًا هـامًّا من مكتبة الدعوة الإسلامية الحديثة، يمكن اعتبارها سجلا لتاريخ الدعوة الفكري إلى حد بعيد، وبذلك نستطيع أن نترسم الملامح الرئيسية للدعوة الإسلامية الحديث وتطورها من خلال هـذه المؤلفات. ذلك أن فهمه للقضية الإسلامية لم يكن فهم مؤلفات وأوراق بعيدة عن دخان المعركة، ومُثار نَقْعِها، وجلبة سلاحها، وإنما جاءت كتاباته من أرض المعركة وبأحد أسلحتها...
لم تكن كتاباته شبيهة بعمل المراسل الحربي الذي يختار الأرض الباردة للأحداث، يصفها وقد يخطئ وصفها، وإنما كان فيها الجندي المقاتل، والقائد الرائد، والناصح الأمين...
إن معظم الذين كتبوا، ويكتبون عن الإسلام تَعوزُهم المعاناة الدائمة، والحس الصادق، والعقل الراجح، والاطلاع الواسع، وحسن الفقه لمعركة الإسلام وخصومه، معظم هـؤلاء الذين كتبوا عن أدواء العالم الإسلامي، جاءت كتاباتهم أشبه بملامح رئيسية، ووصف لأعراض المرض، كان ينقصهم إلى حد بعيد خبرة المرض بدقة، ومن ثم وصف العلاج له...
كانت كتابة الشيخ الغزالي تحمل عاطفة الأم على وليدها المريض الذي تخشى أن يفترسه المرض، وبصرة الطبيب الذي يقدم العلاج، وقد يكون العلاج جراحة عضوية إن احتاج الأمر إلى ذلك...
وكانت كتبه وكتاباته تواجه التحديثات الداخلية والخارجية على حدٍّ سواء، مصداقًا لقول الرسول صلى الله عليه وسلم فيما يرويه البيهقي :
( يحمل هـذا العلم من كل خلف عدوله، ينفون عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين ) [ص : 10] وكأني بكلام الرسول صلى الله عليه وسلم يجمل في هـذا الحديث ـوقد أوتي جوامع الكلم - التحديث التي لا تخرج بمجموعها عن هـذه الثلاثة: تحريف الغلاة، وانتحال أهل الباطل، وتأويل واجتهاد الجاهل. ولا بد من المواجهة في هـذه الجبهات الثلاث. أما الإلقاء بالتبعة على واحدة منها دون سواها وإعفاء النفس من جرأة المواجهة في الجبهات الأخرى فهي النظرة الجزئية التي يعاني منها مسلم اليوم.
وحين نَعْرِض لمؤلفات الشيخ الغزالي التي رافقت خطوات الدعوة الإسلامية الأولى في العصر الحديث، والتي جاءت تسدد طريقها، وتبصرها بأعدائها، وتحذرها من المزالق التي ترسم لها، في الوقت الذي كانت تصطرع فيه الأفكار والمبادئ لإيجاد البدائل الثقافية للإسلام، وتكريس فصل الدولة عن الدين، نجد الشيخ الغزالي في الخندق الأول حيث أدرك الثغرات التي يمكن أن يتسلل منها أعداء الإسلام، من خلال واقع اجتماعي ليس له من الإسلام سوى الاسم، لذا نرى أنه من أوائل من كتب عن ((الإسلام والأوضاع الاقتصادية))، ((والإسلام والمناهج الاشتراكية)) وكان كتابه ((المفترى عليه بين الرأسماليين والشيوعيين)) أول صيحة في التميز الإسلامي، كما أنه من أوائل من تنبه إلى الخطورة والأمراض التي يخلفها الاستبداد السياسي، ولئن كانت كتاباته الأولى يمكن تصنيفها في مجال الأدب الدفاعي، إن صح التعبير، إلا أنه لم يقتصر على هـذا اللون من المواجهة الذي اقتضته الظروف من خلال الوسائل المتاحة، بل تجاوز ذلك إلى تأصيل الكثير من القضايا الثقافية في الفكر الإسلامي..
كتب في العقيدة وهي رأس الأمر كله وكتابه ((عقيدة المسلم)) من الكتب [ص : 11] المبكرة جدًّا في هـذا المجال، وكتب في السلوك الإسلامي ذلك أن الخلق هـو الغاية من البعثة المحمدية أصلا، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: ( إنما بُعِثْتُ لأُتمِّم مكارِمَ الأخلاق )
كما أنه تنبه لقضية خطيرة كانت وما زالت تهدد مجتمعات المسلمين ألا وهي قضية التعصب والتسامح التي وضح حدودها، وبين ضوابطها، حتى لا تعبث بها الأهواء، ويأكل بها الأعداء، والتي ما زالت تطل برأسها كلما سنحت لها الفرصة لتبدأ عملية التآكل الداخلي.
وبهذه المناسبة فمن الوفاء الفكري أن نعرض لكتاب الشيخ الغزالي ((من هـنا نعلم)) الذي رد فيه على الشيخ خالد محمد خالد في كتابه ((من هـنا نبدأ)) والذي بدأ فيه رحلة التضليل الثقافي ونسب للإسلام ما ليس منه، ولئن أدركت الشيخ خالد في الأيام الأخيرة توبة الفكر من هـذه القضية الخطيرة في كتابه ((الدولة في الإسلام)) وجاءت هـذه التوبة بعد مضي جيل كامل كاد يقع فريسة الضلال والتضليل، فلا بد أن نذكر هـنا الشيخ الغزالي وهو يرد انتحال المبطلين ذلك أن التوبة الآن لا تفيد إلا صاحبها وأمره إلى الله.. بعد أن أصبح التصور الإسلامي في هـذه القضية من المسلمات، وبعد أن أصبح الكتاب تاريخيًّا، وهيهات أن يسترد التاريخ... من هـنا تأتي قيمة كتاب الغزالي ((من هـنا نعلم)) الذي بنى الجدار النفسي للشباب المسلم، وحال دون اقتحامه ومغالطته.
ولسنا الآن بسبيل الكلام عن مؤلفات الشيخ الغزالي التي قد تربو على خمسة وثلاثين كتابًا، والتي تمثل إلى حد كبير حيزًا في مجال العقيدة والدعوة والسيرة والحركة والفكر والثقافة من كتبة المسلم في العصر الحديث، لا يمكن الاستغناء عنها في التأريخ لفكر الدعوة الإسلامية المعاصرة وتطوره وطبيعة المواجهة. [ص : 12]
لقد قدم الكثير من الكتابات في مجال المناصحة للدعوة الإسلامية نفسها، تمثل وجهة نظره في مشكلات الدعوة والأمراض التي أصيبت بها.
وفي اعتقادنا أن وجهة النظر هـذه وغيرها تعتبر علامة صحة في مسيرة الدعاة، فهي تغني الحركة وتطور رؤيتها، وتنقذها من آفة الحزبية التي يمكن أن تدركها لسبب أو لآخر، ولئن كانت بعض الملاحظات شديدة، وكان بعضها الآخر محل نظر إلا أنها تمثل التنوع في النظر، وليس التباين والتضاد، تمثل الاختلاف وليس الافتراق...
ولعل من أبرز الأمور التي انتهى إليها بعد هـذه الجولة الاطلاعية ذات المساحة العريضة في مختلف المجالات: أن مشكلة المسلمين الرئيسية تكمن في التمزق الثقافي الذي عرض له، وبين أسبابه في كتابه الأخير ((دستور كل شيء))، وإذا افتقدت وحدتها الفكرية فقد خسرت كل شيء، ووقعت في منطقة العجز الحضاري كما هـو حال الأمة المسلمة اليوم، ورحم الله المفكر مالك بن نبي الذي كانت صيحاته وتنبيهاته مبكرة ومتكررة للعناية بالمشكلة الثقافية التي اعتبرها أُسّ القضية.
وبعد فإن الكتاب الذي تقدمه ((الأمة)) باكورة لمساهماتها الثقافية في هـذا المجال، كما قدمنا، يعرض لمجموعة مشكلات قديمة جديدة تعيق نهضة المسلمين اليوم، ذلك أن المدافعين عن الإسلام لا ينقصهم غالبًا الحماس والإخلاص، وإنما ينقصهم عمق التجربة وحسن الفقه، إنهم يظنون أن بإمكانهم إزالة علل المسلمين في أيام معدودات، وما على الشباب إلا أن يقدم ويقاتل، ويحطم ما أمامه من عوائق، وسوف يتم له النصر.!! [ص : 13]
وإن الاستعجال حمل متاعب كبيرة، وخسائر ثقيلة للدعوة الإسلامية، بل ربما زاد خصومها قوة وتمكينًا، لذلك لا بد من بصيرة فاحصة متعمقة، تتدبر ثقافتنا، وتنقِّي منابعها، وتنقد مستوانا الحضاري الأخير، وتستكشف أسباب هـبوطه، وتوقف التراجع الحضاري الذي بدأ من أوائل القرن الثالث عشر للهجرة.
إن هـناك أكثر من سبعين صناعة مدنية وعسكرية تتعلق بالنفط واستخراجه لا نعرف منها شيئًا، فهل يخدم هـذا عقيدة التوحيد؟!
ونحن لا ندعي هـنا أن ما جاء في الكتاب يمثل الحق المطلق، وإنما هـي وجهات نظر جديرة بالدراسة والانتفاع، وإغناء الرؤية الإسلامية المعاصرة.
وهذه المناسبة تذكرنا بقولة الإمام مالك رحمه الله:
كل إنسان يؤخذ من كلامه ويرد إلا صاحب هـذا القبر ، يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم المعصوم، فهو المسدد بالوحي، المؤيد به.
نرجو الله أن يأخذ بنواصينا إلى الخير، وأن يرزقنا السداد في الرأي، والإخلاص في العمل، وأن يجزل مثوبته للشيخ محمد الغزالي على جهده وجهاده، والله يقول الحق وهو يهدي السبيل. [ص : 14]

Admin
Admin
المدير العام
المدير العام
المساهمات : 4143
نقاط : 5608
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 31/01/2021
العمر : 34
الموقع : تونس 2050
https://tn50.yoo7.com

مشكلات في طريق الحياة الإسلامية // محمد الغزالي - صفحة 4 Empty رد: مشكلات في طريق الحياة الإسلامية // محمد الغزالي

الخميس فبراير 04, 2021 12:57 pm
الفصل الرابع: محنة اللغة العربية والأخطار التي تكتنفها




من عهد بعيد والعرب لا يقومون بواجبهم تجاه لغة الوحي، ولا عذر لهم في ذلك عند الله ولا بين الناس...
إن المصريين والشاميين وغيرهم، تركوا لغاتهم الأولى وآثروا لغة القرآن، أي: إن حبهم للإسلام هـو الذي عرَّبهم، فهجروا دينًا إلى دين، وتركوا لغة إلى أخرى..
وإذا كان للعرب فضل فهو أنهم حملوا الإسلام إلى العالم، وبلَّغوه بشجاعة وبسالة فائقتين، لم تُعرفا عن أتباع نبيٍّ من قبل، إن أصحاب عيسى [ص : 87] عليه السلامعجزوا عن مثل هـذا الصنيع، ومكَّنوا رجلا يهوديًّا، كبولس أن يحوَّل الرسالة عن غايتها، وأن يزحزح دين عيسى عليه السلام عن قواعده الأولى..
ويجب أن نثني على العرب لأنهم صانوا بدقة، وبلغوا بأمانة، وقدموا أرواحهم فدًى لما يعتقدون..
لكن العرب بعد ذلك تركوا الدين واللغة ودائع لدى غيرهم، فلم ينهضوا بنشر اللغة، ولم يبذلوا جهدًا يذكر في شرح قواعدها وآدابها للآخرين! واضطر الأعاجم إلى النهوض بهذا العبء، فكانوا علماء النحو والصرف والبلاغة بفنونها الثلاثة: المعاني، والبيان، والبديع..
وإذا كان المسلمون من غرب آسيا وشمال أفريقية قد استعربوا بالإسلام فإن تعميم ذلك على سكان الأرض متعذر، وكان يجب على الجنس العربي أن يبذل جهودًا شاقة في توسيع دائرة العربية، حتى تجتذب الهنود والأتراك والفرس والأندونيسيين.. إلخ.
ونحن نسجل بحزن أنه لم يبذل جهد يذكر في تعريب الأتراك، وهم الجنس الحاكم طيلة ستة قرون، وأن الإسلام دخل البلقان، ولم تدخله اللغة، فخرج تاركًا آثارًا مهتزة، وأن جنوب آسيا وشرقها كذلك...
والعرب هـم سُبع المسلمين فقط، وواجبهم تعليم لغتهم لإخوان العقيدة، بل واجبهم نشر لغتهم في أقطار الأرض كلها، لأن رسالتهم عالمية، وفرض عليهم أن يمهدوا الطريق إليها...
قد تقول: إن العرب بدعوتهم إلى الإسلام يدعون ضمنًا إلى تعلم العربية، لغة الوحي، وأسلوب المناجاة بين الله وخلقه في الصلوات المكتوبات..
ونقول: إن أصحاب الرسالات لا يخدمون أنفسهم بالدلالات الضمنية، [ص : 88] واللغة العربية لغة متشعبة القواعد، وتعليمها يحتاج إلى معاناة ومشقة، وعلينا أن نخترع طرقًا لتيسير قواعدها وضبط أصواتها، ونحن نرى الإنكليز في عصرنا يفعلون العجب في تعميم لغتهم، ويبتكرون الحيل الطريفة لتحبيبها إلى النفوس حتى أصبحت الإنجليزية لغة العالم، ولغة العلم معًا..
أما نحن فلا نفعل شيئًا من ذلك حتى غُزينا في عقر دارنا، وأخذت اللغات الأخرى تغير علينا، وتكتسح لغتنا في مواطنها الأولى.
Admin
Admin
المدير العام
المدير العام
المساهمات : 4143
نقاط : 5608
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 31/01/2021
العمر : 34
الموقع : تونس 2050
https://tn50.yoo7.com

مشكلات في طريق الحياة الإسلامية // محمد الغزالي - صفحة 4 Empty رد: مشكلات في طريق الحياة الإسلامية // محمد الغزالي

الخميس فبراير 04, 2021 12:58 pm
علاقة مزورة..




والمضحك أن دعاة العروبة لا يحسنون لغتهم، مما أكد عندنا أن دعاة هـذه القومية العربية سماسرة غزو أجنبي، وأن علاقتهم بالعربية ومآثرها ومواريثها علاقة مزوَّرة، وأنهم قنطرة صُنِعَت عمدًا لتعبر عليها أديان وفلسفات وقوميات أخرى!!
أقترح تكوين لجنة تختار ألف كلمة عربية مثلا مما يحتاج المرء العادي إليه في البيت والسوق والشارع والوظيفة والعبادة... إلخ، وأن يكون أساس الانتقاء لهذه الكلمات ترك المترادفات - وهي في لغتنا كثيرة - وإيثار الثلاثي على الرباعي ما أمكن، وأخذ الكلمات المنضبطة تحت قاعدة في تصاريف الأفعال وفي جموع التكسير - وهي في لغتنا معقدة - وتفضيل ما استعمل في الكتاب والسنة، وتفضيل ما سهل على اللسان من المدارس النحوية المختلفة، ويمكن الاستعانة بالصور وآلات ضبط النطق..
ويبدأ المعنيون بتعليم المسلمين الأعاجم، وإن كان التخطيط يبدأ بمشروع [ص : 89] شامل لنشر العربية بين أبنائها (!) وبين المسلمين الذين لا يعرفونها.. وبين الأجانب عامة بعد ذلك..
إن هـذا اقتراح ساذج، وما أريد إلا بدء العمل فورًا، فلغتنا في خطر! وعند المتخصصين طرائق شتى، والمهم هـو أن نغار على لغتنا وتراثنا، وأن يقف الزحف المروِّع الذي يكاد يجتاحنا من كل ناحية..
إن ناسًا من قادة هـذه الفترة العجفاء من تاريخنا، يتناولون الساسة القدامى بالهزء! وقد سمعت بعضهم يضنُّ على (( سعد زغلول )) بلقب الزعامة، وأنا لا صلة لي بسعد أو بغيره، ولكني أعلم أن سعدًا لما تولى وزارة المعارف في مصر كان التعليم في المراحل الأولى باللغة الإنكليزية، كان كتاب الحساب المقرر على الصف الابتدائي تأليف ((مستر تويدي))! وكذلك سائر العلوم، فألغى سعد هـذا كله، وأمر أن تدرس المقررات كلها باللغة العربية وأن توضع مؤلفات جديدة باللغة القومية!!
وبذلك المسلك الناضج حفظ على مصر عروبتها..
لقد كانت في سعد بقية من ثقافته الأزهرية الإسلامية، جعلته يفعل ما يفعل! قال لي أحد الناس: إن سعدًا اقترف كذا... قلت له:
إن كان لا بد من اختيار أحد الشرين فلنرتكب أخف الضررين!! إن سعدًا - غفر الله له - أحسن إلى جيلنا كله بجعلنا عربًا..
والمطلوب الآن: هـل يستطيع رجل أن يفعل فعل سعد، فيُعرِّب التعليم الجامعيِّ، إنه انكليزي في أقطار، فرنسي في أقطار، روسي في أقطار، ولا توجد صيدلة عربية ولا طب عربي!! إلخ..
هل من زعيم شجاع غيور يبدأ هـذا العمل، ويتمه في عشر سنين؟؟ [ص : 90]
Admin
Admin
المدير العام
المدير العام
المساهمات : 4143
نقاط : 5608
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 31/01/2021
العمر : 34
الموقع : تونس 2050
https://tn50.yoo7.com

مشكلات في طريق الحياة الإسلامية // محمد الغزالي - صفحة 4 Empty رد: مشكلات في طريق الحياة الإسلامية // محمد الغزالي

الخميس فبراير 04, 2021 12:58 pm
إهانة العربية ..




إن اللغة العربية الآن تهان وتنتقص من عدة جهات..
1 - الروايات التمثيلية التي تحكي عبارت السوقة والطبقات الجاهلة، فتحيي ألفاظًا كان يجب أن تموت مكانها، وتؤذي المسامع باللهجات العامية المنكورة!
2 - الزعماء الذين لا يحسنون الفصحى ويحلو لهم أن يتحدثوا إلى الجمهور ساعات طويلة، فيجيء حديثهم معزولا عن العقل والروية، وتختلط فيه العربية والعامية، وهم مولعون بخفض المرفوع وجر المنصوب، ولا نعرف لغة في أرجاء الأرض يتحدث رؤساؤها بهذه الطريقة..!!
3 - الأشخاص الذين يقلدون المنتصر، والذين ذابت شخصياتهم ذوبانًا تامًّا، فيرون من الرقيِّ أن يكون حديثهم بأي لغة إلا العربية، وهذا نوع من الناس: أفكارهم في جلودهم - كما قيل - أعني: أنهم يجلدون بالسياط كي يفهموا، فليست لهم عقول يقادون منها..!!
4 - والطامة الكبرى في رجال المجامع الذين يرون العربية تنهار أمام ألفاظ الحضارة المحدثة، ومصطلحات العلوم الكثيرة، ومع ذلك فهم لا يحركون ساكنًا، مع أن العربية في خطر حقيقي!!
كتب الدكتور محمد عاطف كشك مقالًا عن تعريف التعليم الجامعي ناقش فيه الأوهام التي يرددها بعضهم لإبقاء العلوم تدرس باللغات الأجنبية، والمتناقضات التي يقعون فيها وهم يحاولون إبعاد اللغة العربية عن ميدانها [ص : 91] العتيد.. ونحن ننقل من مقاله الجيّد المخلص ردَّه الهادئ على شبهات القوم، وبيان ما فيها من فراغ...
Admin
Admin
المدير العام
المدير العام
المساهمات : 4143
نقاط : 5608
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 31/01/2021
العمر : 34
الموقع : تونس 2050
https://tn50.yoo7.com

مشكلات في طريق الحياة الإسلامية // محمد الغزالي - صفحة 4 Empty رد: مشكلات في طريق الحياة الإسلامية // محمد الغزالي

الخميس فبراير 04, 2021 12:59 pm
تناقضات.. ومغالطات




عند تأمل الأبعاد المختلفة لقضية تعريب التعليم الجامعي في وضعه الراهن يمكن اكتشاف عدد من التناقضات والمغالطات التي تحتاج إلى وقفة لفحصها ونقدها... ويمكن مناقشة أهم هـذه التناقضات والمغالطات في النقاط التالية:
(1) يمكن تقسيم الدول العربية فيما يتعلق باستعمال اللغة العربية في التعليم والحياة إلى مجموعتين: مجموعة الدول التي استطاعت أن تحافظ على استعمال اللغة العربية في معظم مراحل التعليم وفي الحياة والتعاملات الرسمية، ثم مجموعة الدول التي استطاع المستعمر أن يفرض عليها لغته لدرجة أنها وجدت نفسها بعد الاستقلال ومعظم أفرادها لا يستطيعون أن يتكلموا أو يفهموا لغتهم القومية كما حدث في الجزائر وتونس . ومن الغريب أن المجموعة الأخيرة تقدر ضرورة بذل جهود مضنية ومخلصة لاستعادة مكانة اللغة العربية، في حين أن مجموعة الدول التي حافظت على اللغة العربية طوال فترات الاحتلال، هـي التي تتصاعد فيها الآراء التي تشكك في صلاحية اللغة العربية لاحتواء العلوم الحديثة، وقدرتها على التعبير، ومتابعة التغيرات العالمية السريعة. وخاصة في مجال العلم والتكنولوجيا.
والتفسير الوحيد الذي نستطيع أن نقدمه لهذا التناقض، هـو أن الدول التي سادت فيها لغات غير لغتها القومية قد أتيحت لها الفرصة لأن تلاحظ [ص : 92] أكثر الأثر الهدام لإهمال اللغة الأم، وأن تؤمن أكثر باستحالة تحقيق الوحدة الثقافية والاستمرارية التاريخية وربط الأجيال الجديدة بواقعها، مما أدى إلى تخبط وفشل عمليات التنمية المتكاملة، في حالة الاستمرار في تجاهل اللغة القومية، والوقوع في مثل هـذا التناقض الغريب ليس نادر الحدوث، فهو شائع على مستوى الأفراد وعلى مستوى الدول عندما تتجاهل قيمة ما تملكه بالفعل.
(2) مغالطة شائعة أيضًا فيما يتعلق باستعمال اللغة العربية يرددها كثير من العلماء، مؤداها أن اللغة العربية عاجزة عن استيعاب التقدم العلمي والمصطلحات العلمية والحضارية التي نشأت في لغات أخرى.
ولن نرد على هـذه المغالطة أو هـذا الخطأ بمحاولة ترديد ما قيل كثيرًا عن خصوبة اللغة العربية وغناها وقدرتها غير المحدودة، على استيعاب كل مصطلحات العلم الحديث عن طريق البحث في التراث، أو عن المغالطة بالاستشهاد بعدد غير قليل من المحاولات العلمية الناجحة سواء بذلت بواسطة أفراد أو جماعات أو هـيئات (مثل مجامع اللغة العربية) والتي تم فيها نقل مصطلحات العلم الحديث، والحضارة المعاصرة إلى اللغة العربية.
وأثبتت هـذه المحاولات بالفعل ـرغم وجود بعض نواحي النقص فيهاـ قدرةَ اللغة العربية - ربما أكثر من لغات أخرى كثيرة - على استيعاب كل مصطلحات الحضارة الحديثة.
كما أننا لن نرد على هـذه المغالطة وهذا الخطأ بمحاولة تذكير القائلين به بما كان عليه الحال في عصور ازدهار الحضارة العربية الإسلامية، [ص : 93] وازدهار العلم والفلسفة العربية عندما كانت اللغة العربية تستوعب العلوم المختلفة، وتمتلك من الغني والخصوبة والتجدد ما يجعلها قادرة على التعبير والتأثير، سواء في العلوم التي نشأت في ظل الحضارة العربية أو التي نقلت إليها عن طريق الترجمة وخاصة العلوم والفلسفة الإغريقية.
كل ذلك ربما كان معروفًا تمامًا للقائلين بعجز اللغة العربية، وإذن ربما يكون مفيدًا أكثر أن نحاول اكتشاف الأسباب الدافعة للوقوع في هـذا الخطأ أو هـذه المغالطة، وأعتقد أن الأسباب لا تخرج عن أحد الاحتمالات الآتية:
(أ) أن يكون القائلون بعجز اللغة العربية لا يفهمون لغتهم الأم فهمًا جيدًا، ولا يعرفون قدرتها وإمكاناتها الهائلة، لكنه يجب أن نذكرهم دائمًا بأنه مهما كان تعمقهم وتبحرهم في اللغات الأجنبية التي يستعلمونها، فسوف يظلون عاجزين عن معرفة كل أسرارها، لأنها رغم كل شيء ليست لغتهم الأم.
(ب) بعض الذين يحاولون استمرار التشكيك في قدرة اللغة العربية ويصرون على استعمال لغات أجنبية - رغم عجزهم الفاضح أحيانًا في فهم أسرارها - إنما يحاولون إخفاء تفاهة مضمون ما يقدمونه من مادة عن طريق تغريب الشكل الذي يضعونها فيه.
(جـ) الاحتمال الثالث لتفسير هـذه الظاهرة هـو احتمال الكسل الذي يجعل البعض يقول: ما دمنا نأخذ مضمون ومحتويات العلوم من الخارج فلماذا نتعب أنفسنا ونبدد وقتنا في محاولة نقلها إلى العربية؟ وخطر هـذا الاتجاه ـكما سوف نرىـ أنه لا يدل فقط على الكسل ولكنه يدل أكثر على تجاهل طبيعة التقدم العلمي وارتباطه الوثيق باللغة. [ص : 94]
(3) المغالطة الثالثة الشائعة يقول أصحابها إن استعمال اللغة العربية يعزلنا عن العالم المتقدم ـالمنشئ للعلوم الحديثةـ ويجعلنا غير قادرين على الاتصال بهذا العالم والتأثر به أو التأثير فيه.
وهذه مغالطة من السهل فضحها فسوف نرى كيف أن التأثير في العالم واحتلال مكان بارز فيه، لن يكون إلا عن طريق بناء الوحدة الثقافية للأمة، والارتباط بالجذور التاريخية لها.
كما أن القائلين بهذا الادعاء إنما يخلطون بين استعمال اللغة العربية وتعلم اللغات الأجنبية الحية، فلا أعتقد أن أحدًا يمكن أن ينكر فائدة - بل وضرورة - تعليم اللغات الأجنبية الحية بطريقة جادة وعميقة لكل الأجيال الجديدة، لكن ذلك شيء واستعمال اللغة القومية شيء آخر محدود من اللغات الحية، ولو أن الاتصال بالعالم المعاصر يحتم ضرورة التعليم بهذه اللغات لرأينا التعليم في معظم بلاد أوربا يتم بالانجليزية أو الفرنسية، لكن ذلك لا يحدث في الواقع، والمثل الواضح الذي يمكن أن أسوقه هـنا هـو هـولندا ، فالهولنديون يعرفون أن لغتهم ليست هـامة حيث لا يتكلم بها أكثر من خمسة عشر مليونًا، ولذلك لا يوجد شاب هـولندي لا يعرف بجانب اللغة الأم لغتين أو ثلاثًا من اللغات الحية، ولكن أحدًا لا يناقش بالمرة في أن التعليم في جميع مراحله يجب أن يكون باللغة الهولندية، فما بالك باللغة العربية وهي لغة أهم بكثير من اللغة الهولندية باعتبار عدد الناطقين بها، وباعتبار تاريخها وتراثها وحتى باعتبار اعتراف العالم بها.
هذه المغالطة أدت في الواقع إلى معضلة صعبة، ففي مثل هـذا [ص : 95] الوضع المتردد والمهتز لا نحن حققنا الاتصال بالعالم، ولا نحن حافظنا على وحدتنا الثقافية لأننا أهملنا لغتنا القومية ولم نتعمق في تعلم اللغات الأجنبية الهامة..
ثم إن هـذه المغالطة جعلتنا أيضًا نقصر في محاولات الترجمة والتعريب للمصطلحات العلمية وألفاظ الحضارة باعتبار أنه لا مبرر لبذل الوقت والمال والجهد في ذلك، في حين أن كل الدول المتقدمة والتي تعتز بلغاتها القومية تعترف بالترجمة والنقل وسائل فعالة في الاتصال والتبادل بين الحضارات واللغات المختلفة.
(4) المغالطة الرابعة تتعلق بالادعاء القائل: إن التعليم في المرحلة الجامعية، وخاصة في مرحلة الدراسات العليا لا يمكن أن يتم باللغة العربية وهنا تجاهل واضح لنجاح التعليم باللغة العربية في كل مراحل التعليم قبل الجامعة في معظم الدول العربية، وخطورة هـذه المغالطة أنها ترتبط مباشرة بتدهور مستويات التعليم في كثير من الجامعات، فكثير من الأساتذة لا يجيدون اللغات الأجنبية التي يعلمون بها، ومعظم الطلاب يجهلونها جهلًا تامًّا، وذلك يكون على حساب المادة العلمية والمستوى، ويكون على حساب محاولات التأليف في اللغة العربية، ومحاولات الترجمة إليها، ونحصل في النهاية على أجيال غير قادرة على مواصلة التعلم ورفع المستوى العلمي، وملاحقة تطورات العلم والتكنولوجيا لأنها لا تستطيع القراءة في لغات أجنبية، ولا تجد أو لا تؤمن بما هـو متاح في اللغة.
هذا غراس الاستعمار شرقيه وغربيه في أمتنا المحروبة..!! [ص : 96]
Admin
Admin
المدير العام
المدير العام
المساهمات : 4143
نقاط : 5608
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 31/01/2021
العمر : 34
الموقع : تونس 2050
https://tn50.yoo7.com

مشكلات في طريق الحياة الإسلامية // محمد الغزالي - صفحة 4 Empty رد: مشكلات في طريق الحياة الإسلامية // محمد الغزالي

الخميس فبراير 04, 2021 1:00 pm
في مجال الأدب..




وفي الوقت الذي كان الاستعمار الثقافي يئد الفصحى في مجال العلم، كانت جهوده موصولة لقتلها في مجال الأدب، ولكي نكشف أسلوبه في الفتك نحب أن نرجع قليلا إلى الوراء..
منذ خمسين سنة، انتعشت العربية بنهضة أدبية في شعرها ونثرها، أشبهت أو أربت على تألقها القديم في العصر العباسي الأول! ولم يحدث في تاريخنا الأدبي أن تعاصر فيه مجموعة من العمالة، كما حدث ذلك خلال القرن الماضي..
ففي ميدان النثر ظهر الرافعي ، والعقاد ، وأحمد أمين ، وزكي مبارك ، وطه حسين ، وأحمد حسن الزيات ، وعلي الطنطاوي ، وشكيب أرسلان ، وآخرون تغيب أسماؤهم عني الآن.
وكان الانتماء الروحي لهؤلاء متباينًا، فمنهم الوفي للإسلام ظاهرًا وباطنًا، منذ بدأ إلى أن مات!
ومنهم من استقى من ينابيع أجنبية تأثر بها في كتابته حينًا من الدهر، كالعقاد الذي تأثر بأدب السكسون، وطه حسين الذي تأثر بأدب اللاتي، ووقع بينهما تلاوم وجدال على هـذا الانتماء وقيمته الإنسانية والثقافية، ومنهم من غلبه فكر المستشرقين، واتجه إلى التحلل..
على أن هـؤلاء جميعًا كانت الفصحى لغتهم، وكان حسُّهم البياني رفيعًا، وكانوا يحتقرون العامية ويترفعون عنها، ومع أن بدايتهم كانت على هـذا الخلط الذي وصفنا، فإن أغلبهم ختم حياته بخير..
فلم يمت العقاد إلا بعد أن ألف أروع كتبه وأخلدها في الإسلام وحقائقه [ص : 97] ورجاله..
وعلى نحو ما كان طه حسين ، الذي بدأ ملحدًا مارقًا ثم أخذ ينعطف نحو الإسلام، وقد اعتمر وزار المسجد النبوي، وقال لي الصديق الأستاذ محمد فتحي، إنه كان معه على حافة القبر الطهور، قال: وكنت أمسك ذراعه وكان بدنه ينتفض بقوة...!!
ويبدو أن الاستعمار الثقافي حاول تجفيف الروح الدينية في ميادين الأدب، ولكنه لم ينجح كل النجاح، وبقيت الفصحى رفيعة الهام.
وفي ميدان الأدب الديني وجد فقهاء ودعاة ومفكرون ومفسرون لهم تدفق وبلاغة وذكاء مثل: محمد رشيد رضا - تلميذ الإمام محمد عبده - ومحمد فريد وجدي ، وجمال الدين القاسمي ، ومحمود شلتوت ، ومحمد البهي ، والفقيه الكبير محمد أبو زهرة ، والفقيه المؤرخ محمد الخضري ، ومجدد الإسلام في القرن الرابع عشر حسن البنا ، وآخرون أذهل عنهم الآن.
كانت اللغة العربية على ألسنة هـؤلاء إذا خطبوا، وعلى أسنة أقلامهم إذا كتبوا، تتفجر ينابيع صافية.
ولو قُدِّر لهذه الفئة أن يطول بقاؤها لارتفعت بمستوى الجماهير، وأعادتهم إلى حظيرة اللغة التي هـبطوا دونها..
وفي ميدان الشعر وجد أحمد شوقي ، وحافظ إبراهيم ، وخليل مطران ، والزهاوي ، والرصافي ، وأحمد محرم ، وعلي الجارم ، وغيرهم... وهؤلاء ما يقلُّون عن المتنبي ، والمعري ، وأبي تمام ، وبشار بن برد ، بل إن هـناك من النقاد ومؤرخي الأدب العربي من يرون أحمد شوقي أمير الشعراء العرب قديمًا وحديثًا..
وهؤلاء الشعراء - أعني المسلمين منهم - كانوا عواطف الإسلام الحارة [ص : 98] ومشاعره النابضة، وكان شوقي الباكي الحزين في مآتم الإسلام وهزائمه، كما كان المغني الفَرِح في انتصاراته وانتفاضاته، وكان الشعر يقود معارك الحرية ضد الاحتلال الأجنبي ويوقد نيران الحماس في الجماهير التي تنطلق بين الحين والحين لتدافع عن وجودها المادي والأدبي..
وظاهر أن هـذه النهضة الأدبية كانت تبني على المهاد الأول، وتصل من أمجاد المسلمين ما أضاعه التفريط والغدر!
وظاهر أن محافظتها على التراث، وتقديسها للقيم الدينية، وولاءها العميق للغة العربية، أن ذلك كله ثابت لا يتزحزح.. ولكن الاستعمار الثقافي لم ييأس، وعداوته للغة القرآن لم تفتر!
إنه يريد القضاء على الإسلام، وأيسر السبل إلى ذلك القضاء على العربية وقواعدها وآدابها..
وأظنه اليوم قد بلغ بعض ما يشتهي! فقد اختفى الأدب العربي الأصيل، وإذا وجدت كتابات بالحروف العربية فإنها وعاء لمعان مبتوتة الصلة بأصولنا الروحية والفكرية..
وإذا كان الأدب مرآة أمة، ودقات قلبها، فإن المتفرس في أدب هـذه الأيام العجاف لا يرى فيه بتة ملامح الإسلام ولا العروبة ولا أشواق أمة تكافح عن رسالتها، وسياستها القومية، وثقافتها الذاتية..
ما الذي يراه في صحائف هـذا الأدب؟ لا شيء إلا انعدام الأصل وانعدام الهدف، والتسول من شتى الموائد الأجنبية... وحيرة اللقيط الذي لا أبوة له.
والشعر؟ لا موضوع له! أذكر أن المرحوم أحمد زكي أبو شادي كان يهوى قول الشعر، وأصدر من نصف قرن مجلة باسم ((أبوللو)) تجمع إنتاج أمثاله من [ص : 99] الهواة، وكان أبو شادي ((نحالا)) يزكي نحل العسل، فقال أحد الظرفاء: إن أبا شادي مغرم بكل ما يلسع: بتربية النحل وقرض الشعر!!
وأشهد أن شعر أبو شادي كان أنظف ألف مرة مما يسمى في عصرنا هـذا بالشعر المرسل .. فقد كان لكلامه نظم موسيقي ومحور يدور عليه..
أما الأشخاص الذين يحلو لهم حمل لقب ((شاعر)) دون أي نصاب من القدرة على النظم الموزون، والمعنى الرائق فأمرهم يستثير الدهشة والغضب..!
وأريد أن أصفهم بصدق ليعرف الناس: ما هـم؟
إذا لمحت عيني ما يسمَّى بالشعر المنثور تجاوزته على عجل، لأني من طول ما بلوته يئست أن أجد فيه معنى جادًّا، أو شعورًا صادقًا أو فكرة واضحة!
غير أني أحيانًا أقرأ ما يترجم من الشعر الأجنبي لأتعرف على ألوان الحس التي تخامر شتى الأجناس، ولأصل الرحم الإنسانية بيننا وبين الآخرين...
وشاء الله أن أقرأ خلال فترة قصيرة كلمات، ولا أقول أبياتًا لشاعرين، أحدهما: أميركي، والآخر: أسباني، تريثت وأنا أطالعها إذْ استبانت لي من خلال السطور حقائق بالغة الوضوح جديرة بالاحترام.
أما الشاعر الإسباني فيذكر في شعره المرسل - هـكذا ترجم لنا - أن في أصله عرقًا عربيًّا، ومن ثم فهو يتغنى بالحضارة التي أينعت في الأندلس ثمانية قرون، ويومئ إلى شعاعاتها التي أضاءت أوربا خلال العصور الوسطى، ويذكر في ألفاظ خاطفة كيف امّحت هـذه الحضارة، أو كيف انتحر أصحابها! وهاكم كلمات الشاعر الإسباني (عن الحضارة العربية في إسبانيا، للدكتور محمود علي مكي ).


أنا مثل أولئك القوم الذين
عمروا أرض أجدادي
أنا من جنس كان
قديمًا صديقًا للشمس!!
أنا من أولئك الذين كسبوا كل شي
وفقدوا كل شيء..
وروحي هـي روح الزنابق
العربية الإسبانية..




إن هـذه الكلمات أهاجت في نفسي عاصفة ترابية، كرياح الخريف التي تهب بغتة، فتثير الغبار، وتحمل الأوراق الجافة، وتحرك معاني البلى..
نعم كانت لنا على هـذه الأرض حضارة أقمناها يوم كنا حملة وحي، وصلة بين الأرض والسماء، فلما خُنَّا كتابنا، وأرخصنا رسالتنا طاردتنا نقمة رهيبة، وفقد كل شيء، أو كما أبو تمام :


ثم انقضت تلك السنون وأهلها
فكأنها، وكأنهم أحلام..!!




والأعجب من هـذا التاريخ، أن أصحابه لا يذكرونه، ولا يستخلصون منه عبرة!! ما لي أذهب بعيدًا عن موضوعي؟ إنني أريد الكلام فيما يسمى بالشعر المنثور ، وقد نقلت نموذجًا منه للشاعر الإسباني (( مانويل ماتشادو )) فلأذكر النموذج الآخر الذي أعجبني للشاعر الأميركي (( جون هـانيز )) من مقال للأستاذ درويش مصطفى الفار ..)).
كلما نظرت إلى اللبن مسكوبًا على المائدة
ورأيت الأكواب ملقاة بغير عناية
تذكرت كل الأبقار التي تشقى..
وضياع ((الأطنان)) من الحشائش في المراعي
ومعاناة الضروع التي تمتلئ لتحلب
وأشجار الغابات التي تجتث لصناعة الورق [ص : 101]
و ((ملايين)) الشموع التي تحترق هـباء
فعلى كل مائدة في العالم المتخم تنسكب الألبان ضائعة
ويحاول ((ملايين)) الأطفال الغرثى التقاطها بقطع الاسفنج دون جدوى..!!
هل هـذه نظرة مادية؟ هـل الشاعر الأميركي يتألم للدولارات الضائعة؟
من الظلم أن نوجه إليه هـذه التهمة، إن الرجل يمقت الإسراف، وإراقة نعم الله على الثرى.
تصور اللقمة التي ترمي بها دون اكتراث، كم سنبلة قمح بها؟ كم بذل الفلاح من جهد حتى حصدها؟ وكم بذل غيره من جهد حتى أوصلها إلى يدك؟
أما كان الأولى أن تصان لينتفع بها فقير بدل أن تستقر في صناديق القمامة؟
لكن التبذير يزين لأصحابه ازدراء كل شيء، والاستهانة بمواقعه، ولأمر ما يقول الله تعالى:
( إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا ) (الإسراء: 27).
والجنس العربي أجدر الناس بمعرفة مقابح التبذير، فإن العرب الأغنياء متخصصون في بعثرة مال الله هـنا وهناك دونما اكتراث..!
والشاعر الأميركي يقرر في كلماته حقائق لا ريب فيها، ولست أدري هـل هـي في الأصل الانكليزي مضبوطة الأداء وفق موسيقى خاصة، أم أن الشعر عند القوم مرسل؟؟
إن الشعر العربي له موسيقاه الخاصة، وقد أحصى الرواة له ستة عشر نغمًا [ص : 102] تتعانق مع العواطف، وتنساب معها الأحاسيس الإنسانية انسيابًا ساحرًا جميلا..
والفرق بين الكلام العادي والقصائد المنظومة، كالفرق بين الأصوات المعتادة، وبين ألحان الناي وصدح الآلات الموسيقية المختلفة، وقد نبغ شعراء كثيرون في تاريخنا الأدبي ولا يزال تراثهم موضع درس واحترام، وترديد لما حوى من عوطف وتجارب..
وقد غالى أبو تمام في وصف الشعر وأثره عندما قال:


ولولا خلال سنِّها الشعر ما درى
بغاة العلا من أين تؤتى المكارم!




وبيت أبي تمام أفضل من بيت العقاد الذي يقول:


والشعر من نفس الرحمن مقتبس
والشاعر الالعربية في خطر..




عندما يتشابه الأنين أقول: قد تكون العلة واحدة! ولقد سمعت مدرسًا للغة العربية في إحدى دول الخليج يتألم، وكأنه يستغيث، فقلت: إن مثل هـذا الجؤار شق مسامعي في دول الشمال الإفريقي، وفي وادي النيل، وفي أقطار أخرى، لا بد أن العلة واحدة.
وأخذت أقرأ ما نشرته جريدة الاتحاد في العدد ((3140)).
قال المحرر:
اللغة العربية من أهم الركائز التي تميز مجتمعنا عن بقية المجتمعات الأجنبية، تلك اللغة التي تميز هـوية هـذا المجتمع، وتثبت شخصيته وانتماءه.. وحين نطالب بالاهتمام بلغتنا العربية وإرساء قواعدها في أذهان طلابنا، فإننا ندعو إلى ذلك من باب الغيرة على لغة الضاد .
والذي دعاني إلى الخوض في هـذا الموضوع هـو شكوى تلقيتها من أحد أساتذة اللغة العربية عبر الهاتف حيث عبر عن تذمره ومعاناته، وأبدى دهشته واستغرابًا من ضياع معالم هـذه اللغة في مجتمع الإمارات!
ذكر لي أنه يقوم بتدريس اللغة العربية، ويحاول جاهدًا أن يرسخ ويثبت في أذهان التلاميذ مدى أهمية هـذه اللغة وجمالها وسهولتها وبساطتها، وكيف أن العرب قديمًا كانوا حريصين كل الحرص على معالم لغتهم، واعتبروها أساس الحضارة. [ص : 106]
يقول: إنه حين يخرج من المدرسة فإن معالم اللغة العربية تضيع من أمامه تمامًا، فسائق التاكسي الذي يركبه أجنبي (هندي أو باكستاني)، وحين يصل إلى البيت ويرفع سماعة التليفون ليسأل في المستشفى عن صديق له يعالج هـناك، فإن عامل البدالة ((الأجنبي)) يجبره على التفاهم معه بلغة غير العربية، وحين يذهب إلى السوق، فإن كل البائعين في السوق أجانب، ويحتاج إلى عدد من القواميس لكي يستطيع التفاهم معهم، وحتى الحمال الذي ينقل مشترياته من داخل السوق إلى السيارة أجنبي.. ويكمل هـذا المدرس ((العربي)) طريقه ليفاجأ أن كل شيء في هـذا المجتمع بعيد كل البعد عن اللغة العربية! فيحس في المدرسة أنه هـو الوحيد الذي يجاهد ويكافح من أجل إرساء هـذه اللغة في أذهان أبناء هـذا المجتمع ((العربي)).
الحقيقة أنه ليس لدى أي تعليق على أقوال هـذا المدرس ((الغلبان))، سوى أن أضيف أن التلاعب بلغتنا امتد إلى لوائح الإعلانات في الشوارع العامة، وأسماء المحلات، والمعارض التي تكتب بخطوط عريضة ومليئة بالأخطاء اللغوية! والغريب أن البلديات لا تعير هـذا الجانب أي اهتمام، وتترك أصحاب المحلات ((الأجانب)) يكتبون ما يشاءون بالطريقة التي يريدونها، ويعلقون كتاباتهم بشكل استفزازي في الشوارع العامة!
هذا مثال للهوان الذي تلقاه اللغة العربية في الأسواق والشوارع.. وقد سقنا آنفًا مثالًا لما تلقاه لغتنا ((الجميلة)) من إقصاء وإزراء في ميادين العلوم، ثم لما يلقاه أدبها من تشويه وغبن في ميادين الآداب والفنون، ماذا بقي للغتنا من أماكن تكرَّم فيها؟
إننا نصيح محذِّرين: اللغة العربية في خطر، أدركوها قبل فوات الأوان!! [ص : 107]فذ بين الناس رحمان!




هذا الكلام من هـفوات العقاد - رحمه الله - المردودة عليه.
Admin
Admin
المدير العام
المدير العام
المساهمات : 4143
نقاط : 5608
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 31/01/2021
العمر : 34
الموقع : تونس 2050
https://tn50.yoo7.com

مشكلات في طريق الحياة الإسلامية // محمد الغزالي - صفحة 4 Empty رد: مشكلات في طريق الحياة الإسلامية // محمد الغزالي

الخميس فبراير 04, 2021 1:01 pm
الشعر المرسل..




وقد ظل العرب أقل من عشرين قرنًا يصوغون شعرهم حسب البحور المأثورة عنهم حتى جاء هـذا العصر الأنكد بما يسمَّى: الشعر المرسل ، محاكاة للشعر الأوربي كما يقولون..
وأكرهتني الأيام على سماع هـذا اللغو من بعض الإذاعات، أو قراءته في بعض المجلات فماذا وجدت؟ تقطُّعًا عقليًّا في الفكرة المعروضة، كأنها أضغاث أحلام، أو خيالات سكران.. ثم يُصَبُّ هـذا الهذيان في ألفاظ يختلط هـزلها وجدُّها، وقريبها وغريبها، وتراكيب يقيدها السجع حينًا. [ص : 103] وتهرب من قيوده أحيانًا.. ثم يوصف المشرف على هـذا المخطوط الكيماوي المشوش.. بأنه شاعر..
في الشعر الأجنبي - المرسل - صورة ذهنية أو عاطفية ظاهرة على النحو الذي سقنا شواهده أول هـذا البحث، أما التقليد العربي له فشيء غريب حقًّا واسمع هـذا الكلام الذي نشرته صحيفة الراية في ملحقها الأسبوعي (567)
وصاعدًا فصاعدًا..
نأيت عن خريطة الليمون والحوانيت الخفيفة..
حجر من النهر اصطفاني.. فارتعدت!
الثور والحمير تجري فوق أكوام الغلال!!
وحاجتي لمعطف التبرك..
ابتداء من فجر صحن بيتنا - السحارة العتيقة..
آن الأوان..
لأروح في السيجا قوي الجأش..
لأروح تحت البواكي أملأ السيجا مرابيع النجوم..
قوس الجنازة الذي..
يمتد في قوس البيوت الواطئة..
الصاغة الملثمون والحلب... النسوة الحبالى..
قلبي الذي يجول... الخ الخ..
مَنْ مِنَ الناس في الدنيا أو في الآخرة يفهم هـذا المجون؟ كأن جامع الحروف التقط كلمات من على الأرض، ورصَّها كيفما اتفق! وزيادة في التهويل أو التزوير جاء الرسام فوضع حولها بعض الزخارف الغامضة وتحت عنوان ((وشم العاشق)) سمى هـذا الخليط الكيماوي شعرًا!!! كان صديقي [ص : 104] محمد مصطفى حمام رحمه الله مولعًا بتقليد هـذا الشعر المرسل، والضحك من قائليه، فجاءني يومًا يقول: اسمع هـذه القصيدة.
تحت شجرة الأبدية..
جلس الدهر يتفلَّى..
وجلست معه أرمق الأفق البعيد..
على شاطئ مديد من الصخور اللينة..
هناك في الجزر التي تبارز الأمواج..
كانت حبيبتي تحيا مع الغزلان وبقر الوحش..
أين أنت يا حبيبتي..؟؟
فقلت له مصححًا: أين أنت يا مصيبتي؟ هـكذا قال الشاعر، أو كذلك يجب أن يقول! ومع ذلك فهذا الهزل المصنوع أكثر تماسكًا من الشعر المرسل الذي انتشر في صحفنا انتشار القمامات في الطرق المهملة..
ذلكم صنيع الاستعمار الثقافي بنا، وبلغتنا، وتراثنا الأدبي، وخصائصنا الفنية!
وقد راقبت إنتاج ذوي الأسماء اللامعة في هـذا الميدان المبتدع، فوجدت السمة الغالبة على هـذا اللغو المسمَّى شعرًا لا تتخلف أبدًا.. التفكير المشوش أو اللاتفكير، والتعبير الذي يجمع الألفاظ بالإكراه من هـنا ومن هـنا ويحاول وضعها في أماكنها، وتحاول هـي الفرار من هـذه الأماكن..
والسؤال الذي يتردد باستمرار لماذا أيها القوم تسمون أنفسكم شعراء، إذا كنتم لا تحسنون قرض الشعر وبناء القصيد؟ لماذا لا تحاولون أن تكونوا ناثرين بعد استكمال القدرة العقلية واللغوية؟
ومن العجائب أن هـذا العجز الأدبي يلبس ثياب البطولة، فعندما مات صلاح عبد الصبور ، غفر الله له، نشر الرسامون الهزليون صورة لتمثال أقيم له [ص : 105] وقد نقشت في قاعدته هـذه العبارة ((فارس الكلمة))!
أي فروسية؟ إنها طريقة المصريين - أو العرب أحيانًا - في تسمية الأعمى أبا بصير، وتسمية الأقرع: شعراوي!! كذلك يسمى العاجز عن نظم الكلم: فارس الكلمة..!!
Admin
Admin
المدير العام
المدير العام
المساهمات : 4143
نقاط : 5608
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 31/01/2021
العمر : 34
الموقع : تونس 2050
https://tn50.yoo7.com

مشكلات في طريق الحياة الإسلامية // محمد الغزالي - صفحة 4 Empty رد: مشكلات في طريق الحياة الإسلامية // محمد الغزالي

الخميس فبراير 04, 2021 1:01 pm
العربية في خطر..




عندما يتشابه الأنين أقول: قد تكون العلة واحدة! ولقد سمعت مدرسًا للغة العربية في إحدى دول الخليج يتألم، وكأنه يستغيث، فقلت: إن مثل هـذا الجؤار شق مسامعي في دول الشمال الإفريقي، وفي وادي النيل، وفي أقطار أخرى، لا بد أن العلة واحدة.
وأخذت أقرأ ما نشرته جريدة الاتحاد في العدد ((3140)).
قال المحرر:
اللغة العربية من أهم الركائز التي تميز مجتمعنا عن بقية المجتمعات الأجنبية، تلك اللغة التي تميز هـوية هـذا المجتمع، وتثبت شخصيته وانتماءه.. وحين نطالب بالاهتمام بلغتنا العربية وإرساء قواعدها في أذهان طلابنا، فإننا ندعو إلى ذلك من باب الغيرة على لغة الضاد .
والذي دعاني إلى الخوض في هـذا الموضوع هـو شكوى تلقيتها من أحد أساتذة اللغة العربية عبر الهاتف حيث عبر عن تذمره ومعاناته، وأبدى دهشته واستغرابًا من ضياع معالم هـذه اللغة في مجتمع الإمارات!
ذكر لي أنه يقوم بتدريس اللغة العربية، ويحاول جاهدًا أن يرسخ ويثبت في أذهان التلاميذ مدى أهمية هـذه اللغة وجمالها وسهولتها وبساطتها، وكيف أن العرب قديمًا كانوا حريصين كل الحرص على معالم لغتهم، واعتبروها أساس الحضارة. [ص : 106]
يقول: إنه حين يخرج من المدرسة فإن معالم اللغة العربية تضيع من أمامه تمامًا، فسائق التاكسي الذي يركبه أجنبي (هندي أو باكستاني)، وحين يصل إلى البيت ويرفع سماعة التليفون ليسأل في المستشفى عن صديق له يعالج هـناك، فإن عامل البدالة ((الأجنبي)) يجبره على التفاهم معه بلغة غير العربية، وحين يذهب إلى السوق، فإن كل البائعين في السوق أجانب، ويحتاج إلى عدد من القواميس لكي يستطيع التفاهم معهم، وحتى الحمال الذي ينقل مشترياته من داخل السوق إلى السيارة أجنبي.. ويكمل هـذا المدرس ((العربي)) طريقه ليفاجأ أن كل شيء في هـذا المجتمع بعيد كل البعد عن اللغة العربية! فيحس في المدرسة أنه هـو الوحيد الذي يجاهد ويكافح من أجل إرساء هـذه اللغة في أذهان أبناء هـذا المجتمع ((العربي)).
الحقيقة أنه ليس لدى أي تعليق على أقوال هـذا المدرس ((الغلبان))، سوى أن أضيف أن التلاعب بلغتنا امتد إلى لوائح الإعلانات في الشوارع العامة، وأسماء المحلات، والمعارض التي تكتب بخطوط عريضة ومليئة بالأخطاء اللغوية! والغريب أن البلديات لا تعير هـذا الجانب أي اهتمام، وتترك أصحاب المحلات ((الأجانب)) يكتبون ما يشاءون بالطريقة التي يريدونها، ويعلقون كتاباتهم بشكل استفزازي في الشوارع العامة!
هذا مثال للهوان الذي تلقاه اللغة العربية في الأسواق والشوارع.. وقد سقنا آنفًا مثالًا لما تلقاه لغتنا ((الجميلة)) من إقصاء وإزراء في ميادين العلوم، ثم لما يلقاه أدبها من تشويه وغبن في ميادين الآداب والفنون، ماذا بقي للغتنا من أماكن تكرَّم فيها؟
إننا نصيح محذِّرين: اللغة العربية في خطر، أدركوها قبل فوات الأوان!! [ص : 107]
Admin
Admin
المدير العام
المدير العام
المساهمات : 4143
نقاط : 5608
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 31/01/2021
العمر : 34
الموقع : تونس 2050
https://tn50.yoo7.com

مشكلات في طريق الحياة الإسلامية // محمد الغزالي - صفحة 4 Empty رد: مشكلات في طريق الحياة الإسلامية // محمد الغزالي

الخميس فبراير 04, 2021 1:02 pm
الفصل الخامس: بين الاعتدال والتطرف




مع أنني حارّ العاطفة، جياش المشاعر، إلا أنني أفضل الهدوء والتلطف على الشدة والتعسف، وأفرض على نفسي منطق العقل، وربما قسرتها على حكمه وهي له كارهة! وعقبى ذلك حسنة في الدنيا والآخرة!
ولقد دار بيني وبين شاب من العاملين في الميدان الإسلامي حوار قاس، كنت فيه أطيل الاستماع، وأقل التعليق، وفي نهاية المطاف، قلت ما عندي كله..
قال: إنكم تتهموننا بالتطرُّف فهلا شرحتم موقف الطرف الآخر منا؟ وكشفتم عن مسلكه معنا، أكان معتدلا أم متطرفًا؟
إن فلانًا فعل بنا كذا وكذا، من سفك وهتك.. [ص : 109]
قلت: إن فلانًا هـذا مات من سنين طوال وأفضى إلى عمله، رحمه الله!
فصاح: لا رحمه الله ولا غفر له، لو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استغفر له ما قبل منه! ألم تقرأ قوله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم في مثل هـذا الشأن:
( اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ) (التوبة: 80).
وحاولت الكلام..! ولكنه مضى يهدر: ماذا تقول في رجل أذلَّ العرب، ومكَّن لليهود؟ ماذا تقول في رجل ألغى المحاكم الشرعية، والوقف الإسلامي، وحل الجماعات الإسلامية، أو وضع نشاطها تحت الحراسة، وقتل مئات المؤمنين في السجون أشنع قتلة، وعذب الألوف عذابًا تشيب له النواصي، وأذل من أعز الله، وأعز من أذل الله، ولم يترك الدنيا إلا بعد أن صبغ وجوه المسلمين بالسواد والخزي؟؟ ومكن لأعداء الله تمكينًا ما رأوا مثله من ألف عام!!
قلت له: لا تجترَّ آلام الماضي، واشتغل بالبناء للإسلام، وليكن ذلك أغلب على فكرك من الانتقام وطلب الثأر.. واستمعوا إلي من يعرفكم بحقائق الإسلام من كبار المربين، وجهابذة العلماء، بدل أن تكتفوا بقراءة مجردة لبعض الكتب..
فقال الشاب في مرارة: كبار العلماء؟ إن أمرًا صدر إلى هـؤلاء الكبار باستقبال (( مكاريوس )) جزار الإسلام في قبرص ، فاستقبل بحفاوة في الأزهر الشريف..
وإن أمرًا آخر صدر بمنح (( سوكارنو )) وهو شيوعي متبذل، معروف جيدًا في أندونيسيا ، شهادة الدكتوراه في الفلسفة فاجتمع هـؤلاء الكبار ومنحوه من الأزهر الشريف هـذه الشهادة! [ص : 110]
وأمرًا ثالثًا صدر بوضع الحجر الأساسي لكنيسة، فسارع وكيل الأزهر إلى تلبية إشارة السادة الذين أمروه، ولم يقع في تاريخ الفاتيكان نفسه أن كُلِّف رجلُ دين كاثوليكي بوضع الأسس لكنيسة تخالف مذهبه!!
وقد سكت أولئك العلماء على مظالم أفقدت الجماهير نخوتها وكرامتها وشجاعتها، ورضوا بمحاربة مظاهر التدين والتقوى مع أننا نواجه دولة دينية أقامت كيانها على أنقاضنا.!
قلت: يا بُني ليس كل العلماء كما تصف، وإذا مضيت أنت وصحبك في هـذه السبيل فلن تعودوا..
Admin
Admin
المدير العام
المدير العام
المساهمات : 4143
نقاط : 5608
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 31/01/2021
العمر : 34
الموقع : تونس 2050
https://tn50.yoo7.com

مشكلات في طريق الحياة الإسلامية // محمد الغزالي - صفحة 4 Empty رد: مشكلات في طريق الحياة الإسلامية // محمد الغزالي

الخميس فبراير 04, 2021 1:03 pm
قادة الأمة..




إن الخوارج قبلكم ركبوا هـذا الشطط، فدفنوا في تراب التاريخ على عجل..
والذين قادوا الرسالة الإسلامية ليسوا ولاة السوء، ولا المعارضين الحمقى! إنما قاد الإسلام العلماء المربون، والفقهاء المخلصون..!
هل أقول: إن اليهود أعقل منكم.
قال: كيف؟
قلت: لما عقدوا أول مؤتمر عالمي لهم في سويسرا كي يقيموا دولتهم، ووصلوا إلى مخطط مدروس، قال رئيسهم (( هـرتزل )): ستقوم ((إسرائيل)) بعد خمسين سنة! وقامت بعد خمسين سنة..! [ص : 111]
إن الرجل لم يعمل لنفسه ولا لأولاده، إنه يغرس لمدًى بعيد، ربما لا يذوق جناه إلا الأحفاد! ليس مهمًّا أن يرى هـو نتاج ما فعل، المهم أن يصل إلى غايته...
وإنما قدر الرجل نصف قرن لأنه يريد الخلاص من مشكلات تراكمت خلال قرون طوال، لا يمكن الخلاص منها بجرة قلم أو بصيحة حماس!!
ومن الظلم أن أحمل الجيل المعاصر أوزار الهزائم الهائلة التي لحقت بنا، إنها حصاد خيانات اجتماعية وسياسية وقعت من زمان غير قصير، فكيف تفكرون في إزالتها بخطط مرتجلة وجهود قاصرة؟
إن رسولنا صلى الله عليه وسلم يوم صاح بعقيدة التوحيد كانت مئات الأصنام صفوفًا داخل الكعبة وحولها، وقد ظل ثلاثًا وعشرين سنة يدعو، تدري متى هـدم هـذه الأصنام؟ في السنة الحادية والعشرين من بدء الدعوة!!
إنه ما فكر حتى في عمرة القضاء أن يمس منها وثنًا - أي قبل فتح مكة بسنة - أما أنتم فتريدون الدعوة إلى التوحيد في الصباح، وشنَّ حملة لتحطيم الأصنام في الأصيل! والنتيجة التي لا محيص عنها مصارع متتابعة، ومتاعب متلاحقة، ونزق يحمل الإسلام مغارمه دون جدوى!!
وأريد أن أؤكد للشباب أن إقامة دين شيء، واستيلاء جماعة من الناس على الحكم شيء آخر، فإن إقامة دين تتطلب مقادير كبيرة من اليقين والإخلاص ونقاوة الصلة بالله، كما تتطلب خبرة رحبة بالحياة والناس والأصدقاء والخصوم، ثم حكمة تؤيدها العناية العليا في الفعل والترك السلم والحرب..!
إن أناسًا حكموا باسم الإسلام، ففضحوا أنفسهم، وفضحوا الإسلام معهم!! [ص : 112]
فكم من طالب حكم يؤزه إلى نشدان السلطة حب الذات، وطلب الثناء وجنون العظمة!!
وكم من طالب حكم لا يدري شيئًا عن العلاقات الدولية، والتيارات العالمية، والمؤامرات السرية والجهرية!!
وكم من طالب باسم الإسلام وهو لا يعرف مذاهب الإسلاميين في الفروع والأصول، فلو حكم لكان وبالا على إخوانه في المعتقد، يفضلون عليه كافرا عادلا!!
ولقد رأيت ناسًا يتحدثون عن إقامة الدولة الإسلامية لا يعرفون إلا أن الشورى لا تلزم حاكمًا، وأن الزكاة لا تجب إلا في أربعة أنواع من الزروع والثمار، وأن وجود هـيئات معارضة حرام، وأن الكلام في حقوق الإنسان بدعة.. إلخ، فهل يصلح هـؤلاء لشيء؟!
إنني أقوم بالعمل أحيانًا، ثم أراجع دوافعه في نفسي، فأشعر أني لم أكن فيه مخلصًا كما ينبغي! غلبني حب الدنيا أو الاعتداد بالنفس، فأحسّ الألم والندم، وأرى أني - بهذا الخلط - لا أصلح لولاية الناس، وجعل كلمة الله هـي العليا.. ذلك أن الله عندما يهلك الظلمة لا يستخلف بعدهم ظلمة مثلهم، إنما يستخلف مسلمين عدولا صالحين، قال تعالى موضحًا سبيل من يؤيدهم من خلقه:
( وَمَا لَنَا أَلا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ وَقَدْ هـدانا سُبُلَنَا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آذَيْتُمُونَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ * وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ * وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ ) (إبراهيم: 12 - 14). [ص : 113]
هناك نصاب من الكمال النفسي والعقلي لا بد من تحصيله لمن يريد خدمة الدين، وإقامة دولة باسمه، واكتمال هـذا النصاب لا يتم بغته، وإنما يتكون مع سياسة النفس الطويل..
ومعاذ الله أن أتهم غيري بسوء النية، ولكنني أريد تحصين نهضتنا من العلل التي لا تبلغ القصد، ولا تحقق الهدف..
Admin
Admin
المدير العام
المدير العام
المساهمات : 4143
نقاط : 5608
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 31/01/2021
العمر : 34
الموقع : تونس 2050
https://tn50.yoo7.com

مشكلات في طريق الحياة الإسلامية // محمد الغزالي - صفحة 4 Empty رد: مشكلات في طريق الحياة الإسلامية // محمد الغزالي

الخميس فبراير 04, 2021 1:03 pm
من أسباب التطرف الديني..




للتدين المنحرف أسباب نفسية، وأخرى علمية، تظهر في أقوال المرء وأفعاله، وتلحظ فيما يصدره من أحكام على الأشخاص والأشياء!
وتتفاوت هـذه الأسباب قوة وضعفًا، وقلة وكثرة، ولكنها على أية حال ذات أثر عميق في تحديد المواقف والاتجاهات..!
والمفروض في العبادات التي شرعها الله للناس أن تزكي السرائر، وتقيها العلل الباطنة والظاهرة، وتعصم السلوك الإنساني عن العوج والإسفاف، والجور والاعتساف.
وكان هـذا يتم حتمًا لو أن العابدين تجاوزوا صور الطاعات إلى حقائقها! وسجدت ضمائرهم وبصائرهم لله عندما تسجد جوارحهم، وتحرك أنفس ما في كيانهم - وهو القلب واللب - عندما تتحرك ألسنتهم..
أما إذا وقفت العبادات عند القشور الظاهرة، والسطوح المزوَّرة، فإنها لا ترفع خسيسة ولا تشفى سقامًا.
وقد كتبت يومًا عن (( الحطيئة عندما يشتغل بالدعوة)) وتساءلت:
ماذا تنتظر من رجل طبيعته شرسة إلا الوعظ بقوارص الكلم وسيء العبارات؟ [ص : 114]
إن طبائع بعض الناس تحوِّل الدين عن وجهته إلى وجهتها هـي، فبدل أن تهدي تصدُّ! وبدل أن تسدي تسلب!
وقد نبه القرآن الكريم إلى خطورة نفر من الأحبار والرهبان، جعلوا الدين كهانة تفسد بها الفطرة، وتصطاد بها المنفعة.
( إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ) (التوبة: 34).
وهذا النوع من الناس آفة الأديان كلها، وفيه يقول الشاعر:


وهل أفسد الدين إلا الملوك
وأحبار سوء ورهبانها..
فباعوا النفوس ولم يربحوا
ولم تغل في البيع أثمانها!!




والآفات النفسية تبدأ من الطفولة، بل قد تنحدر مع خصائص الوراثة، وإذا لم تذهب بها التربية الراشدة، نمت مع المرء شابًّا، وبقيت في دمه شيخًا!!
وانظر إلى رجل كأبي سفيان، لقد كان قائد مكة وشيخها المقدم في الجاهلية، ولم يفت الرجال الذين يعرفونه أنه يحب الفخر، وأن كلمة تنوِّه شأنه، قد تؤثر في حكمه..
واقترح العباس رضي الله عنه على رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجعل له شيئًا يطمئنه على مكانته بعد غلبة التوحيد على أم القرى ! واستجاب النبي صلى الله عليه وسلم لرأي عمه، فقال:
( نعم، من دخل المسجد فهو آمن، ومن دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ومن قعد في بيته فهو آمن ) واستراح أبو سفيان أن ذكر اسمه، ومَهَّد لتسليم مكة دون حرب!!
وقد تتستر العلة النفسية وراء الحماسة للقيم والغيرة على الحق، وأوضح [ص : 115] مثل لذلك الرجل الذي علق على تقسيم رسول الله صلى الله عليه وسلم للغنائم، فقال: هـذه قسمة ما أريد بها وجه الله..
إن الرسول صلى الله عليه وسلم قد يتألف بعض الناس بشيء من حطام الدنيا، لأن اليقين لم يستمكن من قلوبهم، وكان على الرجل الذي لم تعجبه القسمة أن يتساءل عن سرها.. أما أن يسارع إلى اتهام أشرف الخلق فهذا مرض باطن!
وقد نبه النبي عليه الصلاة والسلام إلى أن هـذا الصنف يطيل الصلاة والقراءة، ولكن عبادته لا تزكي سريرته، ولا تشفى علته..!!
وفي غزوة العسرة تساءل النبي صلى الله عليه وسلم عن كعب بن مالك ، ما أخَّره؟ فتطوع رجل باتهامه قائلا: ألهاه النظر في بُرْدَيْه! وهي كلمة محقورة تنبئ عن الحقد! فكعب أحد الثلاثة الذين خُلِّفُوا، وقد عفا الله عنهم، وتاب عليهم.
وفي أثناء أزمة كعب جاءته رسالة من ملك الروم تستحثه على ترك المدينة، واللحاق معززًا بحاشية الملك، فعدَّ ذلك محنة، وأحرق الرسالة! وارتقب الفضل الأعلى حتى جاءه - وهو له أهل - بيد أن بعض الناس ينظر إلى غيره بعين المقت التي تبدي المساوئ وتخفي المحامد، وينتهز أول فرصة ليشبع ضغنه..
وجاء وفد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيهم رجل ثرثارة دعي متشدِّق! كلما قال رسول الله كلامًا، طوعت له نفسه أن يقول كلامًا أفصح يحاول أن يسامي به رسول الله صلى الله عليه وسلم..!!
وكان التعليق الذي باء به أن هـذا ومثله يلوون ألسنتهم بالكلام كما تلوي البقر ألسنتها بالحشائش، لهم النار يوم القيامة..!!
وكم رأينا من سَبَّاق للكلام في الدين لا حصيلة له إلا اللغو والهباء، فالوعظ [ص : 116] لا يبلغ هـدفه مهما كان بليغًا إذا قارنته نية مغشوشة..
سمع الحسن البصري ناصحًا قويّ البيان، لكنه لم يتأثر به، فقال له: يا هـذا، إن بقلبي شيئًا أو بقلبك..!
والآفات النفسية تشيع بين ناس كثيرين، فيهم المتدين وغير المتدين، وعلماء التربية يرون هـذه العلل أخطر الرذائل المادية.
ومن المقرر أن معاصي القلوب أخطر من معاصي الجوارح! فالكبر شر من السكر، وإن كان الشارع أعد عقوبة عاجلة للسكارى، إلا أنه أرجأ المستكبرين ليوم تطؤهم فيه الأقدام..
والسر في ذلك أن السكران يتناول ما يضره وحده غالبًا، فهو بالخمر يفري كبده ويحقر عقله، أما المتكبر فهو يجتاح حقوقًا، ويظلم مستضعفين، ولا تقف دائرة عدوانه عند حد..
ولا تحسبن الكبر صعر الخد وتثاقل الخطو! فهذه مظاهره الطفولية! الكبر بطر الحق وغمط الناس، وانتهاج مسلك يفرض شهوة فرد على جماهير غفيرة.
وتدبر سياسة هـؤلاء المرضى العتاة، وهم يقلبون الحق باطلا والباطل حقًّا.
يقول موسى لفرعون: ( قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِي إِسْرَائِيلَ ) (الأعراف: 105).
ويكون جواب الطاغية وملؤه: ( إِنَّ هـذا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ * يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ ) (الأعراف: 109 - 110).
رجل يريد الفرار بقومه من العذاب فيتهم بأنه يريد إخراج المواطنين من أرضهم.. [ص : 117]
فإذا عرف نفر من الأتباع الحق وآمنوا به، قيل لهم: ( آمَنْتُمْ بِهِ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ ) (الأعراف: 123).
سبحان الله! لماذا ينتظر إذنك؟
قديمًا وحديثًا وجد أولئك المنحرفون من حملة الأسماء الطنانة، فكانوا بلاء على أممهم، ودفعت الشعوب آلافًا مؤلفة من القتلى، ثمنًا للمجد الشخصي الذي يزعمه رجل يقول: أنا الدولة..! أو أنا وحدي..!
والاستبداد السياسي هـو البيئة الخصبة لإنبات هـؤلاء الفراعين، ويؤسفنا القول: إنه في الشرق أكثر منه في الغرب، وهو السَّدُّ الأعظم أمام ارتقاء أمم شتى والسر في انتشار رذائل الملق والصغار في جنباتها..
وعندما أبحث عن جراثيم الانحراف بين المتدينين أجد هـذه اللون من الفرعنة وراء جملة من المسالك التي نشجبها، ونضيق بأهلها، فبعض الجماعات نبتت أفكارها في السجون، ونمت أشواكها وراء القضبان، يوم استطاع رجل فرد أن يأمر باعتقال ثمانية عشر ألفًا في عشية واحدة، وأن يدخل الكآبة والذل على ثمانية عشر ألف بيت من المسلمين!!
هل أدافع بهذا القول عن التطرف؟ لا، فأي عالم مسلم يأبى العوج الفكري، والانحرافات النفسية!
إن هـذا الشباب مختل المزاج، فصاحب الرسالة ما خير بين أمرين إلا اختار أيسرهما، وهؤلاء الشبان ما خيروا بين أمرين إلا اختاروا أصعبهما.
والإسلام يقدم الدليل، ويؤخر العنف، فما يلجأ إليه إلا كارهًا، أما أولئك الشبان فقد نظروا إلى الأسلوب الذي عوملوا به، واستبيحت به دماؤهم وأعراضهم فلم يروا أمامهم إلا السلاح!!
ويوجد بين المتدينين قوم أصحاب فقر مدقع في ثقافتهم الإسلامية، وإذا كان لهم زاد علمي فمن أوراق شاحبة بعيدة عن الفكر الإسلامي الصحيح [ص : 118] والأقوال الراجحة لفقهائه!
وهم يؤثرون الحديث الضعيف على الصحيح، أويفهمون الخبر الصحيح على غير وجهه، وإذا كانت المدارس الفكرية في تراثنا كثيرة، فهم مع ظاهر النص ضد مدرسة الرأي، وهم مع الشواذ ضد الأئمة الأربعة، وهم من الجمود ضد التطور، وقد سمعت بعضهم يحارب كروية الأرض ودورانها، فلم تهدأ حربه حتى روي له أن ابن القيم يقول باستدارة الأرض! وما زال البحث جاريًا عن رواية أخرى تقول:
إن الأرض تدور!! كي يسكت ويستكين..!!
هل بين أولئك القوم وبين الخوارج القدامي قرابة روحية وفكرية؟ ربما، بيد أن اتهام الخوارج بالافتئات على الأمة يمكن أن يستمع من خليفة راشد أعني من حاكم وليد شورى صحيحة، له مكانته الخلقية النزيهة..!!
أما أن يتوجه بالتهمة حاكم مستبد متسلط على رقاب العباد مثلا فإن الرد معروف، سيقال له: وما مكانتك أنت من الأمة ومصالحها وقيمها؟
إن الجو الحر هـو المكان الوحيد الذي يموت فيه التطرف، ويتوارى أهله على بطء، أو على عجل، المهم أنهم لا يبقون ولا يستقرون!
على أن الفساد السياسي لا يسيغ الانحراف العقائدي، ولا العوج الفقهي، وليس الدين ستارة لتغطية العيوب، وإنما هـو طهارة منها، وحصانة ضدها، وفي تجاربي ما يجعلني أشمئز من التدين المغشوش، وأصيح دائمًا أحذِّر عقباه..
إن المنحرفين يسترون - بركعات ينقرونها - فتوقًا هـائلة في بنائهم الخلقي وصلاحيتهم النفسية، وهم لا يظنون بالناس إلا الشر، ويتربصون بهم العقاب لا المتاب، وهم يسمعون أن شُعَب الإيمان سبعون شعبة، بيد أنهم لا يعرفون [ص : 119] فيها رأسًا من ذنب، ولا فريضة من نافلة، والتطبيق الذي يعرفون هـو وحده الذي يقرون.
الرجوع الى أعلى الصفحة
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى